آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

تنبؤات درامية أم سينما متواطئة «24»

عبد العظيم شلي

الموسيقى التصويرية التي استخدمت في بعض مشاهد فيلم CONTAGION ”العدوى“ ذات أثر بالغ في ترجمة الإحساس المعلق بين الحياة والموت، إنه صوت نبضات القلب، دقات متتالية تضفي على الموقف رهبة وقلق وتوتر، نبض الحياة يزداد إيقاعا مع دقات قلوب المصطفين انتظارا، للحصول على دواء ”فورسيثيا“ حسب ”آلن كورميدي“ صاحب المدونة الشعبية المسوّق لأفكاره، الناقد لتصرفات الحكومة في طريقة تعاملها مع الوباء، متهجم دوما على المسؤولين ومتهما إياهم بالتقصير، فقد أقنع متابعيه بأهمية شراء الدواء الذي يشفي من الإصابة بالفايروس، محذرا جمهوره العريض عن أي تأخير قبل فوات الأوان، إنه ترويج للإمساك بخيوط البقاء على قيد الحياة، توجه من آمن بأفكاره قاصدين الصيدلية المخصصة في بيع ترياق الأمل.

وجوه وجلة ترقب الظفر بأمل النجاة من الموت، إحدى العاملات في المحل تعد المتلهفين للدواء ولكنها أدركت بأن عددهم يفوق الكمية المتوفرة وقالت لهم ”نحن قادرين على اعطاء 50 جرعة اليوم فقط“، صدموا هلعا وهم يقولون ”نريد حصتنا من الدواء“، غضب جماعي عارم حول المكان لساحة فوضى وسخط، ساد النهب والسلب للصيدلية.

ومن حدث قاس لآخر أكثر قسوة، تلك نفوس مشحونة بالرعب والعنف حين دفعت أيدي الجوعى بعضهم بعضا لإقتحام ”مراكز التسوّق“ للحصول على أي لقمة تسد الرمق، نهبت جميع الرفوف، والأسطح باتت قاعا صفصفا، والأمن تهاوى تحت الأقدام، التهام غريزي بسطو مبعثر، والسُراق رماح فوضى، وجنون الجوع خناجر من لهب تأكل الأخضر واليابس وكل من يقف في الطريق. ضاع الأمن، والأمان راقد في غرف الإنعاش.

غليان يزهر داخل حديقة عامة حيث يوزع الجيش سلة طعام على المواطنين مجانا، حشود واقفة ضمن صفوف طويلة تنتظر دورها للحصول على الوجبة الجاهزة، نالها البعض وحرم منها الكثيرون، نفدت الكمية، وعندها احتدم الصدام بين الطرفين، ساد الهرج والمرج في جو بارد، والأرض مكسوة ثلجا تتحرك عليها أقدام بحرارة الغضب، الجوع كافر والنفس أمارة بالأنانية خوف من الفناء، بشر تنهب بعضها البعض وأخرى تتسلق سيارات الجيش للظفر بأي شيء ولو فتات من طعام.

شوارع المدينة تئن من الوحدة، والجثث تنقل عبر الدروب الموحشة، وأمام أبواب المنازل تتكدس الأوساخ، والقاذورات مبعثرة تملأ الطرقات، روائح ملؤها البؤس وبراميل القمامة أضحت مزابل، ولا أثر لعمال النظافة، كل مختبئ مخافة العدوى.

عدوى الإنتقادات سيل لا ينقطع للأوضاع المزرية، والاتهامات الحادة تأتي في مقابلة تلفزيونية شنها حربا صاحب المدونة الشعبية ”آلن كروميدي“ ضد الدكتور تشيفر المسؤول الأول في مركز الأوبئة، تهم وزعها في تفنيد آرائه، إنه صحفي مستقل لكنه خصم عنيد ضد الخطاب الرسمي، يحظى بثقة العوام المكذبين لكل ما تعلنه الحكومة من معلومات وافية عن أهمية الإلتزام والتقيد باتباع النصائح والإرشادات للوقاية من الإصابة بالمرض والتريث في إنتظار الكشف عن الدواء الناجع وهو اللقاح المعتمد من قبل الفريق الطبي المختص، لكن ما حيلة الغريق الذي يتشبث بالقشة، والمنساقون على شفى الغرق، متمسكون بكل حبائل ما يقوله عالم نظرية المؤامرة ”آلن كروميد“ الذي اعلن خلال المواجهة المباشرة وأمام الملأ بأن ”مراكز مكافحة الأمراض تكذب وتتآمر مع شركات الأدوية فهما يعملان يدا واحدة للاستفادة من الوضع وهذه الأيدي تمتد إلى جيوبنا“ وكتب على مدونته بعبارة أخرى ”إن منظمة الصحة العالمية بطريقة ما في الفراش مع شركات الأدوية، كلهم يكسبون من وراء ذلك، يعملون وأيديهم في قفازاتهم واليد تتصل بجيوبنا“؟!، وإمعانا منه لأهمية ما يروج له قام بتصوير نفسه أولا بأنه مريض بالفيروس منهك ويظهر لاحقا بأنه شفي تماما نتيجة استخدامه للمكمل العشبي من نبات ”الفورسيثيا“، صدقته الملايين، بعد أن ربح منهم 4 ملايين دولار، تناحروا من أجل الحصول على جرعة من دواء الوهم الذي لم يشف منهم أحد، قبض عليه وأخذ تحليل من دمه وكشف بطلان ما كان يدعيه طوال الوقت، وجهت اليه تهم التظليل وتزوير الأموال والتآمر وغش الناس.

المفارقة افرج عنه بعد أن انبرى المغيبون عن الوعي ”الدهماء“ المتابعين لصفحته، بدفع غرامة مالية اثناء استجوابه، أخلي سبيله حالا لأن المعركة حامية الوطيس مع محاربة الوباء!، ترك وشأنه واغلق صوته.

إن كان في نهاية المطاف كشف عن أمره الانتهازي القبيح، فالفيلم أشار بإشارات متعمدة في كشف عورات المتلاعبين بالعقول من بعض المسؤولين في إدارة الأزمة.

و”آلن كروميدي“ الذي خدع الناس طوال الوقت وهو مثال حي لكل المتصيدين في كل زمان ومكان الذي يربحون من وراء آلام الناس، هم كائنات لا آدمية تستفحش غنا من خلف الوجع الإنساني، لا يردعهم وازع من ضمير ولا خلق ولا دين.

والأخبار تؤكد تباعا، ”خلال أزمة فيروس كورونا ارتفعت نسب الجرائم الاكترونية على مستوى العالم بشكل يفوق الوصف عما كان من قبل“، وهنا وهناك يبلغنا حاضرنا عن استغلال بعض النفوس الدنيئة، التي تركض لهفا خلف الكسب المشبوه، سعر مرتفع، غذاء فاسد، طعام منتهي الصلاحية، معامل تصنيع مزرية، كل هذا لا يهم، المهم الدوس على الرقاب الغافلة، فالتزوير ذكاء مشرع وفطنة الأشرار فقط جني مافي الجيوب، من أجل ماذا؟ حفنة مال!، ما أبشع الجشع حين يتحول إلى غول نهم لا يشبع، وما أكثر المتاجرين غشا وراء حاجات الناس وقسوة الظرف فهم سادة الأزمات، ألا لعنة على الظالمين.