آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:37 ص

كيف يقرقع الكبار؟

طه الخليفة

جميلة كانت تلك الأيام التي كنّا نقضيها في مدينتنا الأم «المبرّز» بالأحساء في العطل الرسميّة، خصوصاََ إذا تخللها الشهر الكريم، لما لهذا الشهر من خصوصيّة روحانيّة، واجتماعيّة. كنت صغيراََ عندما انتقلت عائلتنا للعيش في مدينة أخرى سعياََ للرزق، وكانت زيارتنا للأحساء في السبعينات تعني الكثير. ومن أمتع الليالي عندنا كانت ليلة القرقيعان، حيث نخرج في مجموعات، وندق على الأبواب، مرددين أهازيج خاصة، لنحصل على ما لذّ، وطاب من أهل الكرم.

كان للخروج للقرقيعان ترتيبات معيّنة تشرف عليها أمهاتنا الحكيمات، منها:

1 - الخروج والعودة في وقت مناسب لكل الأطراف: الأهالي الذين يسمحون لأطفالهم بالخروج، والبيوت المستقبلة بحيث تكون مستعدة للاستقبال، والأطفال اللذين يجوبون أزقة الفريج «الحي».

2 - الحرص على أن نتحرك في مجموعات حتى لا تتربص بنا الذئاب سواء الذئاب التي تسرق ما جُمع من عطايا أو الذئاب البشريّة المنحرفة التي تؤذي الأطفال.

3 - حمل أكياس يكون حجمها مناسباََ لتجمع أكبر قدر ممكن من كرم أهل الخير.

4 - وعند العودة يكون الاحتفال المنزلي بالغنيمة المباركة، ومشاركة الأهل، وحفظ بعضها للأيام القادمة.

إن بين القرقيعان والسعي في الحياة تشابها كبيرا، فكل إنسان يسير في هذه الحياة، ويطرق أبواباً متعددة، ويحصل على العطايا بمختلف أنواعها، الروحيّة والفكريّة والاجتماعيّة والماديّة، فالحياة هي مسرح لقرقيعان مستمر، وكبير. كل منا يسير فيها حاملاََ لكيس، ويحاول أن يقتنص الفرص، ويجمع ما يتاح له من العطايا.

فمن وحي القرقيعان، وحتى نحصل على العطايا الجزيلة يجب ان نكون مستعدّين بالترتيبات المناسبة، ومنها الكيس المناسب لجمع أكبر قدرِِ ممكن من منن الله سبحانه، فكل فرد أو مجموعة تحصد بما يتناسب مع حجم استعدادها لاقتناص الفرص، وجمع العطايا.

كل فرد يصنع كيسه بنفسه، من صغره إلى هرمه. فالطالب مثلا يصنع كيسه بتحصيله العلمي، وكلما اجتهد، وازدادت معارفه؛ كلما أصبح ذا استعداد أكبر لنيل الشهادات العليا، والحصول على وظيفة مرضية، والحياة الهانئة. كذلك الموظف الذي يعمل على تطوير كفاءاته العلميّه والعمليّة يحصل على فرص أكبر وأكثر من غيره للتقدم وظيفيّا، ويصبح عملَةً مرغوبة في سوق العمل. وربّ العمل الحر الذي يواصل دراسة السوق ومتطلباته، ويوظف الموارد المتاحة بشكل جيد، ويتأقلم مع التغيير؛ يحصل على مكاسب أعلى من نظيره الذي يعيش حالة الجمود.

أيضاً المجتمع ككل يحمل كيساََ تتحدد سعته بكفاءة أفراده، كل على حدة، وبكفاءة التعاضد بين أفراده، فكلما ازداد العمل المشترك، والتعاون ازداد حجم الفرص، والقابليّة لمواجهة التحديات، والتغيرات الطارئة، سواءً كانت هذة التغيرات فكريّة، أو اقتصادية، أو غير ذلك، تماما مثل خروج الأطفال للقرقيعان قديما في مجموعات لتفادي الأخطار والحصول على العطايا في أمان وسلام.

وأخيرا، المجتمع المتعاضد المتكافل لا ينسى التراحم، والمشاركة مع من لم ينل التوفيق لبلوغ القرقيعان.

فلنحمل كيساََ كبيرا للقرقيعان، أفراداََ ومجموعات، برفع الكفاءة، وتحديد الفرص، ورسم الاستراتيجيات المناسبة!