آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

كورونا.. هل أفاق الاستهلاك؟ «2»

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة الاقتصادية

العودة الناجحة إلى الاقتصاد تعني أن ما ينتج يستهلك، فلا تبور السلع فينكمش الاقتصاد وترتبك عجلته وتصل التداعيات إلى منشآت الإنتاج فتخفف إنتاجها، ريثما تتخلص من المخزون المتراكم، فتنقص السيولة نتيجة تقلص المبيعات، وتقل التدفقات النقدية، فتلجأ المنشآت إلى البنوك طلبا للتمويل ولتأجيل ما هو مستحق. فإن امتد أمد الانكماش تحول التأخر إلى تعثر، ثم خروج للمنشآت وتسريح للعمال، فإن طال مداه أصبحت خسائر البنوك محققة وعوائد الضرائب متقلصة. وهكذا، فلسلوك الاستهلاك أهمية حرجة ليس فقط لأصحاب الحوانيت، بل كذلك للسلطات النقدية والمالية لما لجزر ولمد الاستهلاك من تأثير لا يجارى في الاقتصاد، طولا وعرضا وارتفاعا.

وليس ثمة مبالغة في القول إن عامل الاستهلاك هو الأكثر تأثيرا - بفارق على ما سواه - في المدى القصير على سلاسة وعنفوان عودة اقتصادنا من جديد بعد مكابدته مع جائحة كورونا، ما يبرر أن يتحدد اهتمامنا ويتركز تفكيرنا في كيفية استنهاض الاستهلاك، فذلك هو الأساس المكين لتعافي الاقتصاد دونما إبطاء. وجوهريا، فالأمر واضح، فمع ثبات الدخل وارتفاع السعر سيكون الاستهلاك أقل بحكم تراجع الطلب على السلع، وإن كان الطلب أقل فسيكون نمو الاقتصاد أقل. ومع ثبات الدخل وارتفاع الأسعار فلا حل آخر. وهكذا، فمن حيث المبدأ، حتى نزيد من الاستهلاك لا فكاك من جعل أسعار السلع أرخص، أو جعل دخل المستهلكين أعلى، إضافة إلى تحفيز الزبائن المحتملين لشراء السلع والخدمات بحماس.

وعادة يقبل الزبائن إن كان في يدهم مال، إلا أن ذلك ليس كافيا رغم ضرورته. أما في ظل كورونا، فالاستهلاك بحاجة إلى ”مقويات“ حتى نرى طفرة في الاقتصاد وليس مجرد ”جرجرة أرجل“. فما هي هذه المقويات؟ ينبع الاستهلاك من الحاجة، وثمة احتياجات أساسية لا غنى عنها كالأكل والشرب والأمن على النفس، أما احتياجات جودة الحياة فأوسع، ومعظمها احتياجات نكتسبها ممن حولنا أسريا واجتماعيا، بعضها رغبات بسيطة كالاستمتاع بكوب آيسكريم في يوم قائظ، أو احتساء قهوة مع الأصدقاء، أو دعوة الأسرة إلى وجبة بمناسبة تخرج أحد الأبناء أو شفاء شخص عزيز، وهناك احتياجات أعقد كالحاجة للامتلاك ”كشراء قطعة من الحلي أو سيارة فارهة“ وللترويح، حتى الحاجة إلى العطاء، والاحتياج إلى المعلومات بما في ذلك اقتناء الشاشات والاشتراك في القنوات والشبكات. وهكذا، فعودة الاقتصاد تتطلب تهيئة الزبائن ماليا ونفسيا واجتماعيا للإنفاق، ويمكن تحقيق ذلك بإطلاق ”حزمة الاستهلاك“، عبارة عن حزمة مبادرات لتشجيع الأسر على شراء السلع والخدمات. «يتبع»

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى