آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 1:13 م

جائحة القلق

أمير بوخمسين

في ظل الأوضاع الحالية، والتأثيرات التي خلقتها هذه الجائحة على العالم، أدى ذلك إلى تضاعف الكثير من الحالات النفسية التي أصيبت بها المجتمعات، وبالذات حالة القلق سواء على صعيد الفرد والأسرة والمجتمع، نتيجة للأوضاع الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية، لأن الحجر الكلي والجزئي الذي فرض على الكثير من دول العالم، بما فيها بلادنا التي التزمت بالإجراءات الصارمة، وعدم التهاون في مواجهة هذا الفيروس الذي أثّر على الكثير من الأعمال الصغيرة والمتوسطة التي أعلنت إفلاسها وإغلاقه، ولم تسلم كذلك المؤسسات الكبيرة من هذا التأثير خصوصا من تقطّعت بهم السبل.

يقول الكسيس كاريل الطبيب الجراح الفرنسي المعروف، صاحب كتاب الإنسان ذلك المجهول: إن رجال الأعمال الذين لا يكافحون القلق سرعان ما يموتون وفي عمر أقل مما ينتظر لهم.

ومثل رجال الأعمال هؤلاء الزوجات والأطباء والعمال العاديون وغيرهم. كل ذلك بسبب القلق، الذي يُوَلِّد أعصابا متوترة مما يؤدي إلى إنهاك الأعصاب وتدمير أجهزة الجسم.. حيث يذكر الدكتور جوزيف مونتاجي وهو مؤلف كتاب اضطرابات المعدة العصبية أن قرحة المعدة لا تأتي مما تأكله، ولكنها تأتي مما يأكلك، وكلمة يأكلك تعني القلق والهموم. وصولا إلى تغلّب «العاطفة واضطرابات الإحساس».

يذكر الدكتور الفاريز أن كثيرا من حوادث الإصابة بقرحة المعدة، لم يكونوا يعانون أمراض عضوية، وإنما نوع من القلق من جراء الأوهام عن المرض، وقد توصّل إلى هذا الرأي بعد دراسة عملها على أكثر من 15000 مريض، ويقول لقد أثبتت الدراسات أن أربعة من بين كل خمسة مرضى مرت حالاتهم على مستشفى مايو كلينك.

ومن الشواهد على ذلك المحاضرة التي ألقاها الدكتور هارولد هايين في مؤتمر الجمعية الأمريكية للأطباء العاملين للمؤسسات الصناعية والتي ذكر فيها أنه بعد معاينة 176 رجلا من رجال الأعمال - وجد أن ثلثهم يعاني أمراضا تنشأ عن توتر الأعصاب. وهي ضغط الدم، واضطرابات القلب، والقرحة في المعدة.

ثم قال: أوليس من المحزن أن يقضي هؤلاء قبل أن يتخطوا سن الخامسة والأربعين! هل هذا ثمن نجاحهم في دنيا الأعمال! يقول أفلاطون حكيم اليونان إن الأطباء يحاولون معالجة الجسد دون العقل. وهذا أكبر أخطائهم، لأن العقل والجسد وجهان لذات واحدة.

إن القلق يحيل أقوى الرجال مريضا ضعيفا يسهل التغلب عليه. ولعل من العوامل الرئيسية التي تدفع إلى القلق في المجتمعات: 1 - نكبة مالية 2 - فاجعة موت أو مرض قريب 3 - الإخفاق في الحياة الزوجية 4 - الوحشة والقلق 5 - الانفعال الدائم 6 - عدم القناعة 7 - الحروب بكافة أشكالها، وتحمّل الإنسان أكبر من طاقته.

هذه العوامل وغيرها من المسببات للقلق الذي يتطلب منا أن نواجهه عبر خطوات عملية من أجل محاولة التغلب عليه، وأول خطوة لا بد أن يقدم عليها الإنسان أن يلجأ إلى رب العالمين في محنته، ويلاقي استرخاء جسمه. حتى يشعر نفسه بسعادة عليه أن يعطي بدنه قسطا من الراحة، وألّا يتطلّع للجوانب التعيسة من الحياة بل يَسْتَغِلّ مباهجها.

والخطوات لمواجهة هذه المشكلة تتطلب: 1 - تحديد المشكلة والإحاطة بها. 2 - سبب منشأ المشكلة، معرفة السبب الذي أتت منه المشكلة. 3 - حلول المشكلة. 4 - اختيار الحل أو البديل الأفضل.

هذه الحلول وغيرها من النظريات الحديثة تم استعراضها وطرحها في الكثير من الدراسات والبحوث التي كُتبت في هذا المجال.

يقول برنارد شو إذا عَلِمْت إنسانا علما ما، فإنه لن يتعلم أبدا، لأن التعلم النظري دون اقترانه بالتطبيق العملي يعتبر خبرة ناقصة.