آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

داء العنصرية والطائفية

عبد الرزاق الكوي

قال تعالى ﴿ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلاّ بالحق.

الكتابة عن العنصرية والطائفية هذا الداء العضال لا يستوفيه مقال ولا يحده كتاب لعظم خطره ومردوداته على الدول والمجتمعات، فالكل مسؤول على مستوى الفرد والمجتمع والدول في محاربة هذا الداء رحمة للبشرية من أجل حياة كريمة، فمع تقدم البشرية وتحضرها مع الأسف يتقدم معها انتهاك حقوق الإنسان وانتشار العنصرية والطائفية المقيتة، فأصبحت فيه وسائل الإتصال الحديثة سيف ذو حدين، فيستعمل البعض هذه الوسائل في بث سمومهم وتحريضهم واستمرار جرائمهم، ويستفيد من هذه الوسائل في نقل مثل هذه الانتهاكات على الصعيد العالمي منذ لحظة الحدث وتتابع ردود الفعل ونقل صور حية يبين عظم الجريمة وما أدت به من خراب ودمار وتصدع في المجتمع الواحد وتأثيراته على الصعيد العالمي، ومن يقف خلف هذه الأفعال التي تذهب من جراءها دماء بريئة وخسائر تدمر النفس الإنسانية والعلاقة السليمة بين المجتمع الواحد، وهذه خسائر لا تقدر بثمن فضلا عن الكم الهائل من الخسائر المادية وتعطل المصالح العامة.

فالفكر العنصري والطائفي يرى نفسه متميزا عن الآخرين سواء باللون أو العرق أو الدين أو المذهب أو المنطقة أو القبيلة، يرى في نفسه المريضة أنه يحق له مالا يحق لغيره، فإذا كان مسلم ضرب بكل القيم الإسلامية وتركها وراء ظهره وخالف شريعة ربه واتبع الشيطان، وإذا كان غير مسلم انتهك الأعراف والمواثيق والتقدم الكاذب والتحضر المزيف ونشر الكراهية والأنانية وحب الذات.

قال الله تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ.

دمر مثل هذا الفكر طبيعة الحياة وجمالها بتنوعها واختلافاتها بألوانها وأفكارها وثقافاتها وعاداتها وتقاليدها ولغتها، دمر كل هذا الجمال فكر مريض نقل مرضه وأفكاره البالية ليسمم بها مجتمع لم يعرف أن الحياة قصيرة ليعيش فيه أيام سعادة وهناء، نشط فكره المريض الكراهية بدل المحبة والبغضاء بدل الأخوة وتكريس مبدأ المساواة في الوطن الواحد والعالم المشترك.

قال رسول الله: «فلا فضل لعربي على أعجمي، ولا أحمر على أسود إلا بالتقوى».

العقول المريضة أخطر من وباء كورونا وأوبئة أخرى، فداء العقول أكثر دمار، فكم من الأوبئة والكوارث والأزمات مرت على البشرية وتعافت وشفيت منها، وتبقى العنصرية والطائفية تنخر المجتمعات لوجود أيدي خفيه وأجندات تحت الطاولة تسعى إلى ديمومة هذا الداء حتى يفسح لها المجال في إستمرار مخططاتها في أن تبقى المجتمعات في حالة من الصراع والانشغال بالتراشق بالاتهامات والإسقاطات الطائفية، بدون الخروج بمنتصر أو إجتثاث الآخر مهما بلغ من قوة وحماية ودعم من قوى أخرى، فالنتيجة الانحدار نحو الهاوية والمزيد من الوهن والكراهية والتباعد.

وخاطب رسول ﷺ المسلمين في حجة الوداع مخاطبا أياهم:

«أن الله تبارك وتعالى قد أذهب عنكم بالإسلام نخوة الجاهلية وتفاخرها بآبائها وعشائرها كلكم من آدم وآدم من تراب.

إن أكرمكم عند الله أتقاكم وأن الله ينظر إلى أعمالكم ولا ينظر إلى أحسابكم يوم القيامة، وأن المسلمين إخوة فلا يحل لإمرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه فلا تظلمن أنفسكم اللهم هل بلغت؟ وأن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا.»

فالوازع القوي والمؤثر في شخصية الفرد المسلم هو ما جاء من الله سبحانه وتعالى ومن رسوله ﷺ، فإذا هذا الوازع لا يأتي بثماره فهو نقص في العلاقة السليمة بين الإنسان وبين شريعته، فالتعاليم الإسلامية متممة بعضها لبعض، فإذا صلاة المسلم لا تمنعه أن يظلم ويفحش في قول أو فعل فهناك خلل في صلاته، فهذا الوازع لدى المسلم أقوى من كل القوانين المستحدثة، اليوم ما يشاهد هو عدم الالتزام بشريعة ولا قيم وتعاليم المحافل الدولية، فُعلت شريعة الغاب، تحتاج البشرية إلى قوانين أكثر صرامة وضرب بيد من حديد، وكشف الأيدي الخفية ومن تقف وراء إستمرار هذا الداء، فالعالم بأفعالهم الإجرامية أصبح أكثر خطرا وأقل أمان، سالت الدماء الطاهرة والبريئة بكلمة من هنا أو خطبة من هناك، أو السماح بنشر مقال أو بطبع كتاب وتوزيعه بالمجان والخاسر المجتمع بأكمله وليس من إرتكب في حقه مثل هذه الجرائم، وهي عديدة ومع الأسف مستمرة في المجتمعات الإسلامية.

قال رسول الله ﷺ: «أن هذا الدين متين، فأوغل فيه برفق».

فالعالم الإسلامي هو من أكثر الأمم إبتلاء بهذا الداء فإذا لم يأتي الوازع الديني بأثرها وهو أمر محزن حيث يعتبر معصية فلابد من تفعيل وتنشيط الجوانب الأخرى من سن قوانين أكثر صرامة وحفظ لكرامة الجميع من أجل بناء مجتمعات تبنى فيها الأوطان بالحب، فوسائل الإعلام كل ساعة تنقل الويلات والمحن ويفر المواطنين من بلادهم إلى متاهات المجهول تتلاقفهم المحيطات والسعيد من بجد له خيمة تأويه من أجل النجاة من هذه الأفعال الهمجية

قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب : «المرء بأصغريه قلبه ولسانه، والمرء بأكبريه عمله وإيمانه وما يغني عنه أصغراه إذا خانه أكبراه».