آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

اقتصاد ما بعد كورونا «2»

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة الاقتصادية

إن اقتصاد ما بعد كورونا هو اقتصاد يسعى إلى جلب ثروة من الخارج من خلال تصدير سلع مصنعة ونصف مصنعة وخدمات كالسياحة. حتى نستطيع فعل ذلك، وننتقل من وضعنا الحالي كاقتصاد يعتمد على استيراد السلع والخدمات واليد العاملة، يقع علينا عبء إثبات جدارة منتجاتنا. كيف يكون ذلك؟ إثبات ذلك محليا قبل إرسالها لما وراء الحدود. وليس من الشك أن الصادرات الصناعية السعودية، ولا سيما في مجال البتروكيماويات، حققت نجاحات عالمية. لكن الحديث ينساق هنا خارج نطاق صادرات الموارد الخام والمواد الأولية الأساسية. وما دمنا نتحدث عن الصناعات غير النفطية، فهل نستطيع أن نصدر؟ وإن تمكنا، فهل نستطيع التوسع عاما بعد عام في التصدير لدول الدنيا؟ الإجابة ليست بديهية، فحتى تكون ”نعم“ فلابد من تجاوز تحد عظيم، ما برح يتربص بنا منذ البداية ولا يزال.

النجاح في اقتصاد ما بعد كورونا يعتمد على الإنتاجية. والإنتاجية عدد الدولارات التي تولدها في المتوسط ساعة عمل واحدة في اقتصاد ما، وفي تحقيق أعلى قيمة تتنافس الدول. هذا هو التحدي، ولا تزال فجوة الإنتاجية كبيرة بيننا وبين متوسط الإنتاجية في دول مجموعة التعاون الاقتصادي والتنمية. والإنتاجية ليست مفهوما بعيدا عن المتناول، فهي مقياس للإنتاج مقابل مدخلات الإنتاج. لكن للإنتاجية مكان الصدارة في منصة الاقتصاد العالمي، بها سيطرت الصين على القطاع الصناعي في العالم، وأصبحت تسمى ”مصنع العالم“، بأنها استطاعت أن تنتج السلع بتكلفة ليس في وسع أي دولة أخرى مجاراتها.

ويرتكز قياس الإنتاجية إجمالا إلى قياس إنتاجية العامل وإنتاجية رأس المال. لا شيء جديد هنا، أما الجديد فهو أن اقتصاد ما بعد كورونا سيشعل التنافس بين دول العالم لتصدير بضائعها وخدماتها، بزخم أكبر بكثير لاعتبارات ليس أقلها رغبة الدول في تعويض الخسائر، وكذلك تهتك نظام التجارة العالمية متعدد الأطراف، وانحسار فرص التصدير للجوء الدول إلى الحمائية والانغلاق.

من ناحية أخرى، فخلال أشهر كورونا سقطت جدران عدة، منها جدار الفصل التقني، فحتى من لم يكن يتعاطى مع التقنية البتة اضطر إلى أن يتعامل، ومن كان يعتقد أن التجارة الإلكترونية كائن فضائي أصبح يتبضع ملابسه ومقاضي الثلاجة عبر التجارة الإلكترونية، ولم يعد يفرق إجمالا إن أتى ”الفستان“ من المجمع التجاري في طرف المدينة أم من متجر في أوسلو. المهم الإنتاجية، التي قد تكون فارقا في السعر للسلعة ذاتها أو فارقا في الخدمة أو تفردا في الصنعة. إذا، فالأرجح أن التحدي أصبح أكثر عنادا إثر كورونا، وإصرارنا ينبغي أن يكون ناجزا هذه المرة. «يتبع».

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى