آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

الإمام الصادق (ع) والمواجهة السلمية؟!

حسين أحمد آل درويش

يعتبر عصر الإمام الصادق عصر الانفراج الفكري والثقافي لمدرسة أهل البيت .. وكان أحد أهم أسباب الانفراج هو ضعف الحكم الأموي وانهياره.. والبداية الضعيفة للعباسيين.. وكان همّهم الرئيسي في هذه المرحلة الحسّاسة تثبيت أركان دولتهم.. لذلك كان الإمام بعيدًا عن المواجهة السياسيّة العلنيّة.

وتعتبر الفترة التي عاش فيها الإمام الصادق وأنصاره أفضل فترات زمنية..أعطت ثمارها واتسعت فيها حرية الرأي والقول وحرية النقض والإبرام في شأن الحقائق الدنيوية من جهة أخرى..ولقد ازدحم طلاب العلم على أبواب مدرسة الإمام الصادق وكثرت الهجرة إليها حتى تخرّج على يديه أربعة آلاف عالم وفقيه كلٌّ يقول حدثني جعفر بن محمد .

أضف إلى ذلك التسديد والتأييد الإلهي في نشر مذهب أهل البيت على يد الإمام الصادق .. ولهذا سمي مذهب أهل البيت بالمذهب الجعفري.. وقد أشاد الجاحظ الكناني البصري بفضل الإمام الصادق ومكانته العلمية العظيمة التي تأثّر الناس بتراثها الغني بالمعارف قائلا: ﴿وفجّر الإمام الصادق ينابيع العلم والحكمة في الأرض وفتح للناس أبوابًا من العلوم لم يعهدوا من قبل وقد ملأ الدنيا بعلمه.

ويقول مالك بن أنس.. مؤسس «المذهب المالكي»: ﴿ما رأت عين ٌولا سمعت أذنٌ ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر الصادق فضلاً وعلمًا وعبادةً وورعًا.

وقد سئل أبو حنيفة النعمان.. مؤسس «المذهب الحنفي» عن أفقه الناس في زمانه؟! فقال: ﴿جعفر بن محمد .

في الوقت نفسه نلاحظ.. أن الإمام الصادق عمل جاهدًا من خلال مؤسّسته العلمية والفكرية والثقافية التي أسّسها لتحقيق مسألة في غاية الأهمية ألا وهي تغيير فكرة المجتمع من المواجهات السياسية والعسكرية إلى المواجهة السلمية.. أي إبدال مفهوم لغة السيف والدم كوسيلة لتحقيق الأهداف.. ورفعه إلى أسمى من ذلك بترسيخ قواعد الحوار وسيادة العقل كلغة للتفاهم وتحقيق الوحدة المتكاملة للمجتمع على أساس المحبة والتعاون والتكاتف وإصلاح النفس بصحوة ضمير الفرد والمجتمع ونبذ الخصومة والخلافات العقيمة التي لا فائدة منها إطلاقًا.. بقوله : ﴿إياكم والخصومة في الدين!!! فإنها تشغل القلب عن ذكر الله عز وجل، وتورث النفاق، وتكسب الضغائن... ويقول أيضًا : ﴿لا تخاصموا الناس!!! فإن الناس لو استطاعوا أن يحبونا لأحبونا، إن الله أخذ ميثاق شيعتنا يوم أخذ ميثاق النبيين، فلا يزيد فيهم أحد أبدًا، ولا ينقص منهم أحد أبدًا.

وختامًا وفي نهاية المطاف.. استطاع الإمام الصادق أن يمارس دورًا كبيرًا في تصحيح المفاهيم الخاطئة المتعلقة بمشروعية العمل مع السلطات القائمة، والجهات المختلفة والتعامل معهم بحكمة ودراية، وما يتعلق الأمر بالمهمة الملقاة على عاتقه، وفقًا للضوابط المحدودة لتحقيق المنفعة العامة بإقامة العدل ودفع الأذى والظلم والإحسان إلى الرعية. وأن تقتضي المصلحة العامة الدعوة إلى الهدوء والسلم بسيادة القانون، وكحد فاصل لإيقاف دوامة العنف السياسي التي عصفت بالمجتمع الإسلامي آنذاك.. فأثّرت بشكل سلبي على كافة ميادين الحياة.. ولهذا اعترف الإمام الصادق بمشروعية المقاومة والمواجهة وفق الإطار السلمي وبعيدًا عن العنف والمواجهة المسلّحة.