آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 7:41 م

خاطرة لغوية: هل للعربية ”حوبة؟“

الدكتور أحمد فتح الله *

لاحظت في بعض المنتديات ومواقع الشبكة العنكبوتية، استخدام كلمة ”كارما“ «Karma» والسؤال عن كلمة ”الحوبة“ في اللغة العامية «اللهجة المحلية».

”الحوبة“ لها معاني متعددة في اللغة العربية، أولها الإثم «لسان العرب»، والإثم الكبير «المعجم الوسيط»، وجاءت بهذا المعنى في القرآن الكريم في الآية ﴿وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا «النساء: 2».

والحوب مِنْ حاب، واسم المرة منه حوبة. والإثم قد يصل إلى درجة الظلم، والمظلوم له حوبة «ضعف» فعليه في الإرث الديني المظلوم، وخاصة الضعيف الذي لا يستطيع رفع أو دفع الظلم عنه، الله ناصره والمنتقم له. هذا المفهوم تكرس شعبيًّا وشاع في لهجة أهل الخليج والعراق.

والحوبة تلتقي هنا مع فكرة ”الكارما“ في قاعدة السبب والنتيجة؛ بمعنى أنّ كلّ فكرة، أو كلمة، أو عَمَل ينجزه الفرد يُؤثِّر فيه في وقت غير معروف في المُستقبل، فإذا كان عَمَله حسنًا فسيكون تأثيره نافعًا في المُستقبل، أمّا إذا كان عمله سيِّئًا، فسوف يكون تأثيره ضارًّا، بمعنى أنّ العمل غير الأخلاقيّ نتيجته كارما سيِّئة، والعكس صحيح، والعلاقة بين العمل والعاقبة من أهمّ الأمور التي تهتمّ بها ”الكارما“،،،،

وهناك العديد من العبارات الدينيّة، وغير الدينيّة في المجتمعات المختلفة التي تُعطي معنى الحوبة والكارما، مثلًا، عبارة العُنف يُولِّد العُنف:

«violence begets violence»، وعبارة «what goes around comes around» والتي تُفيد بأنّ الأفعال تدور وتعود على صاحبها. وفي مجتمعنا: ”الشر يرجع على صاحبه“، و”طبخٍ طبختيه [يا فلانة] اكليه“.

والخلاصة، كلمة ”حوبة“ عربية الأصل وفصيحة وفيها القابلية لاستقطاب معنى ”الكارما“، لو تكرر استعمالها شاعت واعتاد عليها الناس، وخلص كلامنا العربي من ”فرنجة“ الكلمات التي تسعها العربية، وأما ما ليس له أصل عربي، فلا يضر الاقتراض والتعريب حسب أصول اللغة العربية.

والأهم عندي، وكما قلت في خاطرة سابقة، أن المصطلح ”كتلة ثقافية“، أقول المفردة في أية لغة هي أيضًا ابنة ثقافتها، وحين تستخدم في ثقافة أخرى، تظل في ”لباسها“، محتفظة بفكرها وعقيدتها. فكلمة ”كارما“ تشير إلى مبدأ نظري نشأ في الهند، يعرف باسم ”مبدأ الكارما“، و”نظرية الكارما“، وحتى ”قانون الكارما“. ومفهوم ”الكارما“ معقد ومن الصعب تعريفه. لكن، تستقي مدارس علم الهنديات المختلفة تعاريفًا متعددة له من النصوص الهندية القديمة؛ تمتزج فيها الأمور التالية:

⁃ ”السببية“، التي قد تكون أخلاقية أو غير أخلاقية،

⁃ و”التخليق“ «أي إضفاء الطابع الأخلاقي»، بمعنى أن للأعمال الحسنة والسيئة عواقب،

⁃ و”الولادة الثانية“، أو ”الولادة الجديدة“.

والمبدأ الأخير غير اسلامي. في العقيدة الإسلامية: ”منْ حجَّ فَلَم يرْفُثْ، وَلَم يفْسُقْ، رجَع كَيَومِ ولَدتْهُ أُمُّهُ“، لاحظوا دقة العبارة ”كَيَومِ“ على التشبيه بالولادة، وليس الولادة الحقيقية، أو الولادة الروحية «المجازية» التي تدعي بها الأديان الأخرى، وتنادي للكارما.

فيجب أن ننتبه ونحذر من المفردات الوافدة، خاصة في خطابنا لأطفالنا وإن صدرت منهم فيجب تبيان حقيقتها لهم، ونمدهم بالمقابل العربي لها، ونشجعهم على تعلمها واستخدامها.... وإلا للعربية ”حوبة“ فاتقوها.

تاروت - القطيف