آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

نوط شجاعة للطبيب المصاب

أثير السادة *

الطبيب في خط المواجهة لا يعمل بسماعته فقط، لا يضع يده على المريض ويكتب سطورا غير مفهومة في نهاية المطاف، هو اليوم يعمل بكل حواسه وعقله وعواطفه، يقف أمام المرضى وهو يعلم حجم القلق الذي يعتري المريض وأهله والوطن كله لأجل سلامة المرضى الداخلين إلى المجهول، وإلى ساحة الاحتمالات، يقف ليوزع الطمأنينة والأمل وهو على حد القلق من العدوى والدخول في عداد الإصابات اليومي.

يفر في كل مرة من قلقه إلى قلق المريض، يترك مسافة بينه وبين أهله ليقترب أكثر من مرضى يرون فيه امتدادا لرحمة الله في الأرض، وامتدادا لقدرة الإنسان على معالجة الصعاب في هذه الحياة، أنفاسه بالنسبه لهم هي يقين الانتصار على صور الموت والتعب والنهايات الحزينة، هو نبض القلب المستعار في لحظات يشهق فيها القلب من الحيرة وتكاثر الخيالات المرعبة، فالناس في مدارات الكورونا عيون تتأرجح بين الخوف والرجاء، خوف الذهاب بعيداً مع الألم، ورجاء الخروج المبكر وبأقل الخسائر من حصة المرض.

ولأنه الحصن الحصين للأمل، يخفي الطبيب قلقه وأوجاعه عن المرضى، يقلب وحده بالليل أوراق هذا التعب المفتوح بلا نهاية، ينعزل كما ينعزل المريض، لأنه فقط سمع ورأى وعايش الكثير من هذه الصور التي لا يريد لها أن تتكاثر أكثر فأكثر، سيغيب إسمه في زحام الأرقام إذا ما أصيب، كما سيغيب رسمه عن عيون الناس، يلبس لباس المريض وصورته، غير أنه يجمع صوت أوجاعه في زجاجة من صبر، لكي لا يصبح عنواناً لليأس والهزيمة في معركة يقودها الأطباء.

بالأمس وجدت الطبيب، الذي أحال أشواقه إلى دمعة في مجرة الخوف، وهو يدفع المرض عن نفسه، يحرس أعراض المرض، ويقضي أيامه في عزلة أخرى، من عزلة الحذر إلى عزلة المرض، يغفر للوقت خطاياه وهو يرفع عن بدنه حرارته اللاهبة، محفوفا بصلوات الأحبة ورسائلهم، يحدثك بصوت يتأبط أوجاعه لكنه مملوء بثقة العارف بطرق الاحتيال على المرض، وحيداً هذه المرة، بلا مرضاه، ولا الفريق الطبي الذي كان يديره في يوميات مثقلة بهشيم المشاعر المضطربة للعابرين من فحوصات المرض.

حتى في مرضه يوزع هذا الطبيب دروسه للآخرين، لا يفسد الألم بالكثير من الكلام، ولا ينثر الخوف على رؤوس الناس، هو فقط يشحذ طاقته ليعود مجدداً إلى الطريق الذي مشى فيه دون أن يلتفت للكثير من الأسئلة، بانتظار أن يعود إلى مهامه الجديدة، إلى حيث ينقل خبرته وذخيرته المعرفية ناحية اصلاح وتطوير لهذا القطاع الذي سيصرف فيه ماتبقى من سنوات مهنته، ليصلي في محراب الطب من أجل سلامة الناس.