آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 9:39 م

تحفة رضوية

ورد عن الإمام علي الرضا : «لا يجمع المال إلا بخمس خصال: ببخل شديد، وأمل طويل، وحرص غالب، وقطيعة الرحم، وإيثار الدنيا على الآخرة» «بصائر الدرجات ج 6 ص 308».

النظرة إلى عصب الحياة والمقوم لتحصيل مستلزمات المعيشة الكريمة - وهو المال - تتعدد وفق رؤى متعددة باتجاه السلب والإيجاب، وحينما ننظر للنصوص الشريفة يمكننا رؤية ما يذم منها وما يمدح، ومن وقع في حيرة من تعارض بينها لأول وهلة فيحتاج إلى وقفة تأملية تردفه بحقيقة واضحة.

فالروايات التي تمدح تحصيل المال ناظرة إلى توفير لقمة العيش الحلال وعماد الحياة من مسكن وملبس ومأكل لائق، وهذه الضروريات إن لم يسع المرء إلى توفيرها من قناة العمل والكد في قنواته الشرعية، فسيتجه إلى مسارب خاطئة تتأرجح ما بين كونه عالة على الغير متوشحا بالكسل والخمول والتواكل، وبين الطرق الالتوائية لكسب المال من الخداع والنصب والاحتيال، وبين مص أموال الآخرين بالباطل والعدوان والنهب والابتزاز والرشوات وغيرها، ولذا فإن اليد العاملة مقدسة في نظر الشرع الحنيف من جهة تنمية قدرات الفرد التي حباه الباري بها، فيضرب في الأرض الوسيعة ليكف نفسه عن الحاجة من جهة، ومن جهة أخرى يجنب المجتمع من زعزعة الأمن بوأد روح السلب والنهب من النفوس.

والروايات الذامة - كالتي بين أيدينا - هي من تحف الحكم المروية عن الإمام الرضا تشير إلى ما يكتنف آلية جمع المال من آثار سلبية ينبغي التنبه عليها، فهناك فرق ما بين كون المال وسيلة لتوفير المستلزمات وبين تحول المرء إلى عبد لخزنه وتجميعه للثروات وكأنه مخلد للأبد، فلا يفيق من جهله إلا بعد حلول المنية فلا يأخذ من ماله إلا قطعة كفن بيضاء لا غير.

فالإسلام لا يقف في توجيهاته أمام طموح وتطلعات الفرد نحو كسب المال المشروع وتنمية مدخراته، بل مثل هذا الإنسان يحوز على الثناء لأنه يتبوأ مكانة في رفد مظلة التكافل والتكاتف الاجتماعي بما يساعد على تخفيف معاناة المحتاجين، ولكن ما يقع في دائرة الذم والتحذير منه هو تغلغل حب المال واستحواذه على شغاف القلب، فيغدو المرء أسيرا لهواه وقبلة لكل خطوة يقدم عليها مع التخلي عن كل القيود الدينية والقانونية، فكل طريق ووسيلة يستحصل منها مالا فهو يتجه إليها بدون تأخير أو مؤاربة، فهذه المرحلة من العبودية للمال هي ما يسحق كرامة الإنسان ومكانته العالية، ويحوله إلى مجرد خزانة «صندوق حديدي» يجمع المال ويراكمه ويحرسه من التناقص حتى يرحل خاسرا خائبا.

ويذكر الإمام الرضا جملة من الآثار السلبية والمساوىء الأخلاقية التي تستوطن نفس خازن الأموال، وكل واحدة تعد موبقة كبرى وخصلة سيئة كفى بها عنوانا وشملة قبيحة في شخصيته.

وأولاها: البخل الشديد على نفسه وعياله وأرحامه فضلا عمن حوله فيحيل حياته إلى جحيم لا يطاق، فالتقتير عليهم يراه فرصة للتوفير ومن ثم زيادة رأس ماله وكأنه يسابق الريح، ويتبلد إحساسه تجاه معاناة أسرته من شح نفسه دونما رحمة.

والثاني: الآمال المتطاولة التي يحملها وكأنه مخلد لا يبرح من الدنيا، فيسعى في كسب المال دون توقف وينطلق منه إلى مرحلة أخرى وهكذا دواليك.

الثالث: الحرص الغالب، والمقصود به اتخاذ كل الأساليب والطرق غير المشروعة لتحصيل وكسب المال، فغلبة حب المال على نفسه تعميه عن كل القيود الدينية والأخلاقية ويجعلها خلف ظهره في سبيل تراكم الثروة.

والرابع: قطيعة الرحم، فعلاقاته بأقربائه بلا شك أنه يسودها التوتر والقطيعة درءا لطلب أحدهم أي مساعدة مالية منه، وحتى وإن تجرأ أحدهم وقطع الأسلاك الشائكة المحيطة بهذا البخيل فسيلقى منه الصدود والتمنع التام، فالعلاقة الرحمية عنده في كفة والحفاظ على أمواله من أي تسرب ولو كان طفيفا في كفة أخرى، فهو مستعد للتضحية بعلاقته مع أقربائه لأبسط طلب مالي منهم.

والأخير: إيثار الدنيا، بمعنى نسيانه لحقيقة الدنيا الزائلة وأن المستقر الأبدي هو في عالم الآخرة، فيبذل جهده ووقته كاملا في البحث عن مصادر المال، فيعتري علاقته بربه كل الجفاء والغفلة والتبلد تجاه أجواء العبادة الروحانية، وحتى وإن صلى فقلبه مشغول ومتيم بحطام الدنيا الزائل، فضلا عن شحه عن دفع الصدقات أو الحقوق الشرعية.