آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 2:44 م

الرافعة الاقتصادية للمدن التراثية

أمين محمد الصفار *

قرار مجلس الوزراء الأخير بشأن إقرار الاستراتيجية الزراعية التي من ضمنها ربط المنتجين الزراعيين بالأسواق وتسهيل وصول المنتجات الرزاعية وقبلها قراره أيضا بشأن نقل بعض اختصاصات وزارة الشؤون البلدية الى وزارة البيئة والمياه والزراعة ومنها أسواق النفع العام، كلاهما يكشف عن مدى أهمية أسواق النفع العام - سيما في المدن الصغيرة - كما يعكس مدى الحاجة إلى تغيير النظرة التقليدية إلى أسواق النفع العام لتكون هذه الأسواق أداة رئيسة في خطة متكاملة لتطوير المدن وليس بانفرادية ومادة مستقلة عن خطط التطوير. أهمية العلاقة التكاملية بين المقومات الرئيسة للمدن التاريخية هي محور هذا المقال.

إضافة للأسماء التاريخية للمدن، فأن أسواق النفع العام وأوساط المدن والمواقع التراثية هي من المقومات الرئيسة للمدن التاريخية والتراثية، وهي تمثل منظومة واحدة مترابطة ومتجانسة تتكامل مع بعضها، ويتفرع من كل منها مجموعة عناصر مترابطة، لكننا مازلنا نتعامل معها كأنها منفردة ومستقلة عن بعضها البعض بل وهامشية احياناً.

فأسواق النفع العام يتفرع منها الأسواق الشعبية والأسواق الأسبوعية، أما وسط المدن فنعني بها المنطقة المركزية التي تضم الساحات المفتوحة وسوق المدينة القديم والمباني التراثية التي هي سمة المدينة التي لا تنفصل عن سكانها وتراثها، أما المواقع التاريخية والتراثية فتتفرع منها أسواق الحرف اليدوية والمتاحف بأنواعها مثل: المتاحف التاريخية التقليدية، والمتاحف البحرية، والمتاحف التي توثق نمط الحياة القديمة في المدينة، وكذلك المتاحف الخاصة بالإجهزة الحكومية في تلك المدن، وهذا جانب يبدو أنه إلى الآن لم ينل حقه على مستوى المملكة عموماً. وكما نرى فأن عامل أسواق النفع العام يتداخل مع أغلب المقومات للمدن التراثية والتاريخية.

المملكة تتمتع بعدد وافر من المدن التاريخية والتراثية المتنوعة، وهي بحاجة إلى هذا التكامل الذي نتحدث عنه وإن تشابهت هذه المدن في خطوطها العريضة، فأن لكل منها تفاصيلها الفريدة في طريقة التعاطي مع أجزاء هذه المنظومة، وهذا ما يثري المخزون التاريخي والثقافي للمملكة. فمدينة عسفان ذات الاسم التاريخي القديم - كمثال - تحتضن مشروع سوق النفع العام الضخم الذي يخدم مدينة جدة، وهو فكرة رائعة لكن هذا المشروع ليس له علاقة مثلاً بتطوير وتأهيل المواقع التاريخية في المدينة أو إنشاء متحف خاص بها أو تطوير للمنطقة المركزية، وهذا ما يجب أخذه بالاعتبار. ومثال آخر في الباحة المنطقة الأصغر في المملكة والاسم الأشهر، تستعد الآن لمشروع طموح ورائع تتمناه أي مدينة وهو تطوير المنطقة المركزية في الباحة لكنه - حتى الآن - مستقلاً عن تطوير أسواق النفع العام أو تأهيل المواقع التراثية فيها، بمعنى آخر بمعزل عن تكامل مقومات المدن التاريخية والتراثية.

أن المنظومة الاقتصادية الاجتماعية التي نتحدث عنها ليست كل المدينة ولا كل الأوجه الاقتصادية للمدينة التاريخية، وأنما هو جانب واحد فقط، أما الوجه الأخر الذي لا بد منه أيضا فيتمثل في المواقع الترفيهية الأخرى والمجمعات التجارية والمقاهي الحديثة والحدائق والشواطئ والفنادق ولا ينبغي إهمال أحدهما على الأخر، فبكل هذه العناصر تكتمل الصورة وتعمر وتتكامل المدينة وتنشأ قصصاً أخرى جديدة للناس في هذه المدن حيث تصبح متنفسًا ومقصداً لكل فئات المجتمع ومصدراً محلياً للدخل والعمل يحول عن الحاجة للهجرة الداخلية للمدن الكبرى.

مع رؤية المملكة 2030، ومع مشاريع ومبادرات عظيمة مثل مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية، ووجود هيئات عليا لتطوير المناطق ورصيد كبير من الإنجازات، ليس صحيحًا أن نظل نمارس - لا إرادياً - نمطًا عدائيًا لهذه المدن، كما أنه ليس صحيحاً الاستمرار بترسيخ تصور محدودية الاستفادة من أسواق النفع العام وأواسط المدن والمواقع التاريخية والتراثية، ونحن نرى كل هذه الفوائد الكبيرة على المستوى الأقتصادي والاجتماعي والثقافي والإعلامي التي توصلنا إن شاء الله لتطبيق مفاهيم إنسانية عصرية حديثة، وجني أفضل الثمار الاقتصادية.