آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

نيران صديقة

محمد أحمد التاروتي *

الضربات المتتالية التي توجه للمرء من الأصدقاء والاقرباء، تترك اثرا عميقا في النفس، وتحفر حفرا سحيقة يصعب التئامها بسرعة، ”وظُلْمُ ذَوِي القُرْبَى أَشَدُّ مَضَاضَةً... عَلَى المَرْءِ مِنْ وَقْعِ الحُسَامِ المُهَنَّدِ“، نظرا لعدم توقع صدور هذه الضربات من الصديق او القريب من جانب، ومن جانب اخر، فان الضربة تكون قاسية كونها تأتي على حين غرة، فضلا عن صعوبة إعادة ”الحجر من حيث اتى“، استنادا للعديد من الاعتبارات النفسية، والاجتماعية، والأخلاقية، مما يضطر المرء لابتلاع ”الموسي على مضض“، وتحمل الالام والتبعات، على الصعيد الشخصي.

دوافع طعنات الصديق او القريب متعددة، بعضها ذات علاقة بالضغوط الاجتماعية، والبعض الاخر مرتبط بالتركيبة النفسية، فضلا عن طبيعة العلاقة الشخصية، مما يتطلب دراسة الأسباب بشكل موضوعي، لمحاولة الحصول على الإجابة الوافية، خصوصا وان التشبث بأحد الأسباب لا يعطي النتائج السليمة، الامر الذي يحول دون معالجة الامر بالطريقة الصحيحة، وبالتالي فان العملية بحاجة الى ”جلسة مكاشفة“، للتعرف على الدوافع الكامنة وراء ”طعنة الظهر“، من اجل تطويق المشكلة، والحيلولة دون تمددها بجميع الاتجاهات، مما يجعل المعالجة صعبة في الغالب، ومستحيلة أحيانا اخرى، خصوصا وان معالجة الأمور في البداية اجدى من تركها تنتشر دون التحرك، بحيث تولد تداعيات خطيرة على شبكة العلاقات الاجتماعية.

التنكر الكامل لمشتركات، والقواسم المشتركة، تمثل البداية الحقيقية للاستدارة الكاملة، وانهاء العلاقات القائمة بين الأصدقاء او الأقارب، فالبعض ينطلق من مواقف ”عابرة“ او غير مقصودة، لتأسيس قناعات مستقبلية، بحيث تبدأ العلاقة الشخصية بالفتور التدريجي، لتصل الى القطيعة الكاملة، سواء نتيجة الاستماع للوشاة، او بسبب القراءة الخاطئة لبعض المواقف الخاصة، مما ينعكس على صورة نكران كامل، ومحاولة ”الانتقام“ بطريقة غير واعية، وأحيانا سريعة للغاية، الامر الذي يضع مستقبل العلاقات الاجتماعية على المحك، جراء تمسك احد الأطراف بمواقفه غير العقلانية، مما يمهد الطريق لاطلاق ”النيران“ باتجاه الصديق، دون سابق انذار او بطريقة ”غادرة“.

النيران الصديقة يصعب تحملها، فالبعض يمتلك القدرة على تجاوز تداعياتها، من خلال تجاهلها ومحاولة البحث عن مخارج، وايجاد حلول مؤقتة، بهدف وضع الأمور في السياق الطبيعي، والابتعاد عن التصعيد بمختلف اشكاله، خصوصا وانه يدرك ان ”النيران الصديقة“ مرتبطة بحالة هيجان، وضغوط نفسية واجتماعية، فيما البعض الاخر يرفض التصديق بالتحول السريع للصديق، مما يصيبه بحالة من الذهول والانكسار الداخلي، نظرا لصعوبة تصور الموقف، وعدم تحمل الاثار المترتبة، على الانقلاب الكبير للصديق، خصوصا وان الامال المعقودة على الصديق كبيرة للغاية، باعتباره السند والملجأ في الأوقات الصعبة.

عملية تحمل ”نيران الصديق“ ليست متاحة للجميع، خصوصا وان الظهر يكون مكشوفا للاصدقاء، بخلاف الحذر الكبير المتخذ تجاه العدو، مما يشكل انتكاسة كبرى على الصعيد الشخصي، بحيث تتطلب تدخلا سريعا وعاجلا لمعالجة الوضع الخطير، نظرا لصعوبة ترميم علاقات الصداقة نتيجة الغدر من الظهر، بينما تكون التداعيات لدى البعض طفيفة وغير خطيرة، جراء انتهاج مبدأ ”احذر عدوك مرة ومن صديقك ألف مرة لعله أدرى بالمضرة“، مما يجعله على حذر دائم من تحول الصديق الى عدو، بحيث يمكنه من تفادي ”النيران“ بمجرد تصويبها، نظرا لوجود الاحتياطيات اللازمة وعدم كشف الأوراق بشكل كامل.

العمل على وضع ميزان للعلاقات الاجتماعية، يمثل مخرجا لتجاوز ”النيران الصديقة“، فالتوازن وعدم المبالغة يعطي النتائج الإيجابية، ويقلص حجم الخسائر على الصعيد الشخصي، والاجتماعي، خصوصا وان العلاقات الاجتماعية خاضعة للمد والجزر، مما يجعلها عرضة للقطيعة بين فترة وأخرى، مما يستدعي اتخاذ الحيطة والحذر في جميع الأوقات، من اجل تفادي ”النيران الصديقة“ بمجرد اطلاقها، بغض النظر عن كافة المبررات والأسباب، فالدوافع للقطيعة ليست مقنعة في الغالب، لدى الطرف الراغب في انهاء تلك العلاقة، حيث يحاول استغلال بعض الظروف لاعلان الحرب، والدخول في الصراع العلني بشكل مفاجئ.

كاتب صحفي