آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

فذاكَ زمانٌ لعبنا به.. وهذا ”زمينٌ“ بنا يلعبٌ

المهندس هلال حسن الوحيد *

هل نحنُ ندرك فعلا أن لكلِّ شيء نهاية، ولكلِّ علوٍّ هبوط؟ فلا غنا يدوم ولا زمانًا يبقى، ومن ثم فالكون كلُّه راحل إلا وجه الله. نِعمٌ نتمتع بها في مقتبل حياتنا أفرادًا ومجتمعات وشعوبا ودولاً ثم لا نُقدر قيمتها إلا حين تفر من أيدينا فرارَ الطيرِ من القفص، فإذا بنا نندب ما فات:

زمنٌ جَميلٌ فرَّ منا مُسرِعاً
وَأبى الزمانُ بِطَبْعِهِ أنْ يُرْجِعَا

هكذا هو حالنا نظن أن الصحةَ تدوم فنمرض، ونجزم أن المالَ لا ينقطع فيأتي الفقر والأيام تبقى ثم نمضي، وحينما تعاقبنا الأيام بما فعلناه نعض سبابتنا ندما:

قَدِ انْطَوَى سِفْرُ الشَبَابِ وَاغْتَدَى
رَبِيعُ أَفْرَاحِي شِتَاءً مُجْدِبا
لَهَفِي لِطَيْرٍ كَانَ يُدْعَى بِالصِبَا
مَتَى أَتَى وَأَيَّ وَقْتٍ ذَهَبَ؟

لم يكن ”الزمين“ لينال منا لو عرفنا ما أوصى به النبيُّ محمد ﷺ أبا ذر «رض»: ”يا أبا ذر، اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابكَ قبل هرمك، وصحتكَ قبل سقمك، وغناكَ قبل فقرك، وفراغكَ قبل شغلك، وحياتكَ قبل موتك، يا أبا ذر، إياك والتسويف بأملك، فإنك بيومك ولست بما بعده، يا أبا ذر إذا أصبحتَ فلا تحدث نفسك بالمساء وإذا أمسيتَ فلا تحدث نفسك بالصباح، وخذ من صحتك قبل سقمك“.

هذا ”الزمين“ أو الزمان هو - بإرادة الله - من يمرض ويفقر ويميت من يسوف فيه من الأفراد والمجتمعات والحضارات ولا يستثني منهم إلا من استثمر فيه عندما يكون في حال الرخاء والقوة لحين حالات الشدة والضعف.

صلوا لله وادعوه جميعًا لكي يطيل في أعماركم ثم تذكروا أن ”الوقت كالسيف ان لم تقطعوه قطعكم“. ولمن هم في عمري أتذكرون يوم كنتم شبابًا تسمعون الشاعر عمر الخيام يسأل نفسه ثم يجيب؟

أتدري لماذا يصبح الديكُ صائحًا
يردد لحنَ النوحِ في غرةِ الفجرِ؟
ينادي لقد مرت من العمرِ ليلةٌ
وها أنتَ لا تشعر بذاكَ ولا تدري!

وتأتي بقية الوصفة العلاجية من النبي ﷺ في التالي:

”يا أبا ذر إياك والتسويف بأملك فإنك بيومك، ولست بما بعده فإن يكن غد لك فكن في الغد كما كنت في اليوم، وإن لم يكن غد لك لم تندم على ما فرطت في اليوم. يا أبا ذر كم من مستقبل يومًا لا يستكمله، ومنتظر غدًا لا يبلغه. يا أبا ذر لو نظرت إلى الأجل ومصيره لأبغضت الأملَ وغروره. يا أبا ذر كن كأنك في الدنيا غريب، أو كعابرِ سبيل، وعدَّ نفسك من أصحاب القبور. يا أبا ذر إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء، وإذا أمسيتَ فلا تحدث نفسك بالصباح، وخذ من صحتك قبل سقمك، وحياتك قبل موتك فإنك لا تدري ما اسمك غدا. يا أبا ذر إياك أن تدركك الصرعة عند العثرة، فلا تُقال العثرة ولا تمكن من الرجعة، ولا يحمدك من خلفت بما تركت، ولا يعذرك من تقدم عليه“.

مستشار أعلى هندسة بترول