آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

صناعة التنظير

محمد أحمد التاروتي *

يحلو للبعض ممارسة التنظير ومحاولة الظهور بمظهر المرشد والناصح، فهو ”يهرف بما لا يعرف“، حيث يحاول الخروج بنظريات ”خارقة“ في سبيل الابهار ومحاولة خلق ”عالم“ هلامي وخيالي، عبر وضع مصطلحات ”كبيرة“، من اجل احداث وقع كبير لدى المتلقي، الامر الذي يتمثل في محاولة الخروج بمواضيع متنوعة وعديدة، بهدف تكريس شخصيته في الواقع الاجتماعي كصاحب ”نظرية“ اجتماعية.

الصدى الاجتماعي وكلمات الاطراء ”الصادقة“ او الزائفة، تلعب دورا في ممارسة دور ”التنظير“، فاصحاب ”التنظير“ يعمدون لاستغلال الازمات الاجتماعية والمشاكل الفردية لاظهار بعض فنون ”التمثيل“ والتلاعب في المفردات، من خلال وضعها في قوالب ”جميلة“ وترويجها على شكل نظريات وحلول عملية لمختلف المشاكل الاجتماعية، فهذه الفئة لا تعمد الوسيلة في الوصول الى الشرائح الاجتماعية، بهدف الترويج للذات ومحاولة كسب ثقة الاخرين، الامر الذي يتمثل في التبرع لاقتراح الكثير من المعالجات الاجتماعية، بحيث تشمل القضايا الاجتماعية العامة او المشاكل الفردية الخاصة.

وجود اطراف غير واعية او غير مدرعة لاهداف أصحاب التنظير، يسهم في استمراء هذه الوظيفة الوهمية، فالانتشار الواسع لبعض الحلول المقترحة يدفع لمواصلة مشوار ”التنظير“ في جميع المشاكل الاجتماعية، الامر الذي يفسر ”التطفل“ في مختلف القضايا الاجتماعية، من خلال ممارسة دور ”العالم“ و”المصلح“ على الدوام، فالقاعدة المعروفة ”من قال لا اعلم فقد افتى“ ليست واردة في ثقافة أصحاب التنظير، نظرا للشعور التضخم والرضا الذاتي جراء عبارات المجاملة او الاطراء، التي تصدر من البعض تجاه الحلول ”المقترحة“.

يستخدم أصحاب التنظير وسائل التواصل الاجتماعي، لتحقيق المزيد من الانتشار، والاحتكاك المباشر مع مختلف الفئات الاجتماعية، خصوصا وان الاعلام الجديد يمثل منصة الكترونية قادرة على الوصول الى اكبر شريحة على المستوى الاجتماعي، الامر الذي يفسر تزايد التنظير على هذه المنصات الالكترونية، فتارة بعبارات ”النصيحة“ وأخرى بواسطة مصطلحات فضفاضة لخداع اكبر شريحة اجتماعية، بيد انها غير قادرة على خداع الفئات الواعية، بمعنى اخر، فان التنظير ليس قادرا على اختراق العقول الواعية ولكنه يجد مساحة واسعة لدى بعض الشرائح الأقل وعيا، مما يفسر ارتفاع اسهم هذه الفئة لدى بعض الشرائح، فيما لا تجد النخب الاكاديمية انتشارا واسعا في البيئة الاجتماعية، نظرا لعدم استخدام هذه الطرق ”المخادعة“ والرخيصة.

تعرية أصحاب التنظير ووضع الضوابط الصارمة، يمثل احد الحلول العملية لاعادة الأمور للنصاب السليم، لاسيما وان تداعيات انتشار ثقافة ”التنظير“ خطير على افراد المجتمع، نظرا لانخراط الجهلاء في ممارسة أدوار تتجاوز الإمكانيات العلمية والقدرات الإدارية، مما يتسبب في بروز الكثير من المشاكل على الصعيد الاجتماعي، خصوصا وان الحلول المقترحة تكون غير مناسبة او ذات اثر سلبي على أصحاب الشأن، مما يستدعي تحريك العقول الواعية باتجاه تحجيم تحركات أصحاب التنظير في المجتمع، للحيلولة دون ادخال الفئات الاجتماعية في دوامة الضياع والتخريب.

التنظير مرض يعيش البعض، حيث يحاول الوصول الى المجتمع بطريقة غير سليمة، من خلال استخدام بعض العبارات الطنانة، بهدف اشباع حالة الجوع الذاتي، مما يدفع لمحاولة سد هذا الشعور بطريقة خاطئة، فالبعض يتحرك لاستلاء على جهود الاخرين، ومحاولة اقتباسها بطريقة ملتبسة، من خلال استخدام التلاعب في الالفاظ للحصول القبول الاجتماعي أولا واكتساب عبارة ”المفكر“ او ”المنظر“ ثانيا، وبالتالي فان تطويق مرض التنظير يسهم في إيجاد الأرضية المناسبة، لضبط التحركات المشبوهة وعدم السماح لها بممارسة الخداع والتلاعب بمشاعر الاخرين، خصوصا وان المشاكل الاجتماعية تمثل مدخلا رئيسيا لاظهار مرض ”التنظير“، فالمشاكل تعطل التفكير العقلاني في كثير من الأحيان، مما يجعل الحلول المزيفة مقبولة وقابلة للتطبيق.

كاتب صحفي