آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 8:44 م

قراءة في كتاب بسط التجربة النبوية

بسط التجربة النبوية

للدكتور عبدالكريم سروش

قراءة: حسين علي الناصر

الكتاب مجموعة مقالات بعضها تم تحريرها من خلال محاضرات ألقاها الدكتور عبدالكريم سروش بين فترات متفرقة وترجمها أحمد القبانجي وهو مكون من 374 صفحة.

في مقدمة الكتاب يحدثنا سروش عن بشرية وتاريخية الدين والتجربة الدينية نفسها حيث يؤكد أن الوحي والرسالة تابعان لشخصية النبي ولا يرى أن خاتمية النبوة تستوجب إنهاء حضور النبي في ميدان التدين والإيمان، وعمدة كلامه يتمحور حول تأثير شخصية النبي البشرية في عملية التشريع ونبي الإسلام يوضح هويته النبوية من خلال ماصرحت به الآيات القرآنية ﴿قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى حيث نرى في هذه العبارة البليغة مقتضيات البشرية والإنسانية كما أن علم الكلام الجديد فتح لنا أبواباً في عالم المعارف الدينية من خلال إدخال عنصر البشرية والتاريخية في الدين.

بعد مقدمة الكتاب يقول عندما ننظر من بعيد إلى نبي الإسلام بنظرة أرضية وبشرية نراه رجلاً مديراً، مصلحاً، مؤيداً وموفقاً إلى أبعد الحدود فهو الشخص الذي يشيد ذلك البناء العظيم وحده ولم يتجمد ذلك البناء بعد رحيله في نطاق المرحلة التاريخية بل ازداد نمواً واتساعاً في حركة التاريخ البشري والكبار من مفكرينا وعلمائنا ركزوا على التجربة الوحيانية للنبي الأكرم ﷺ وذهبوا إلى أن النبي هو الشخص الذي نال مفاهيم وتعاليم جديدة من خلال مصدر خاص للمعرفة لا يستطيع الآخرون نيله والكشف عنه بالطرق الطبيعية فالمقوم لشخصية ونبوءة الأنبياء هو الوحي فقط أو التجربة الدينية في الاصطلاح الجديد ومن هنا نرى الأنبياء يتحركون في خط الطاعة والمسؤولية ببركة هذه التجربة القلبية التي تمنحهم القوة والفرق بين الأنبياء وغيرهم من أصحاب التجارب الدينية هو أن الأنبياء لا يبقون أسرى تجربتهم الشخصية ولا يشغلهم التنعم بها عن أداء دورهم الإنساني بل إنهم بسبب حلول هذه التجربة في عمق ذواتهم يشعرون بوظيفة جديدة والتجربة الدينية نفسها لا تجعل من الشخص نبياً بمعنى أنه كل إنسان يستطيع أن يخوض التجربة الدينية ولكن هذا لا يعني أنه نبي لأن النبوة تتضمن في معناها وذاتها عنصر المأمورية والتكليف وهذا هو الشيء الذي نفتقده في تجارب العرفاء والمتصوفة وهذه المأمورية السماوية انتهت بالخاتمية ولكن أصل التجربة والمكاشفة باق في حركة الشعور الداخلي للأفراد البشر على امتداد التاريخ، والشرط الأساسي في تبعية النبي هو التبعية لتجاربه لا اتباع أوامره ونواهيه فقط لأن النبوة تعتبر نوعاً من التجربة والكشف ويقول سروش كما أن النبي يمكنه ترشيد نبوته وتقويتها وبذلك يزداد نبوة بالتدريج كذلك الشاعر يمكنه أن ينمي شعره ويكون أشعر من السابق وهكذا الفنان والعارف والمدير وربما يكون هذا الكلام ثقيلاً وغير مستساغ ويرجعنا إلى الآيات القرآنية التي تتحدث عن الوحي والنبوة ﴿وقل ربي زدني علماً وهذا العلم الكشفي يندرج في ماهية الوحي والنبوة بل أن النبي في بداية أمره وبعد نزول أولى آيات سورة العلق ملكه الخوف كما يروي الطبري ولم يعلم بحقيقة ماحصل له ولكنه سرعان ما انسجم مع هذه الحالة الجديدة وعلى ذلك يرى عبدالكريم سروش أن الوحي تابع للنبي لا العكس وكلام النبي حق وليس النبي تابعاً لجبرائيل بل جبرائيل تابعاً له فهو الذي ينزل الملك ومتى أراد أن يرحل عنه تحقق، وربما يثار يثار هذا السؤال: هل القرآن الكريم كان مكتوباً بأكمله قبل نزوله؟ وهل من الممكن أن ينزل القرآن دفعة واحدة إلا أنه نزل بالتدريج لبعض المصالح؟

ويعود سروش ويقول إن الدين أمر بشري فلا يعني نفي وجود الروح القدسي في طبيعة الدين بل المراد أن النبي جاء في أوساط الناس وكان يتحرك معهم خطوة خطوة، والدين هو مجموعة مواجهات ومواقف تدريجية تاريخية للنبي وبما أن شخصية النبي مؤيدة من عالم الغيب وهي عين الوحي فكل مايقوم به ويقوله يقع مقبولاً ومؤيداً من الوحي، ولذا لو أن النبي استمر في حياته وكان له من العمر أكثر مما كان وواجه من الحوادث والتحديات أكثر مما وقع فمن الطبيعي تزداد الحوادث والتحديات وهذا يعني أن القرآن الكريم كان بإمكانه أن يكون أكثر في حجمه من هذا القران الموجود ويقول سروش لقد تحدثت بهذا الكلام من مدة ولم يفهمني البعض حق الفهم، فالنبي بدوره إنسان وتجربته الدينية بشرية وجميع من حوله من البشر تولد الدين البشري، وزبدة رأي سروش أنه يستطيع كل إنسان أن يخوض التجربة الدينية البشرية ولكن لا يمكننا اعتبار كلامه حجة تعبدية ودينية لأن الحجية والولاية الدينية خاصة بالنبي فقط، ففي الكتاب مقالات أخر أعتقد أنها مشابهة لبعضها البعض كما أنه توجد حوارات مع الدكتور سروش يوضح بعض آرائه، وآرائه ليست نهائية بل قابلة للنقد بل قوبلت بالنقد وقوبلت بالقذف وأكثر من نقده من المؤسسة الدينية لم يفهموا سروش جيداً وهذا ليس دفاعاً عن أفكاره لكن هذه الحقيقة ترى منهم مثلاً من يتحدث معه وكأنه طفل في مدرسة يوجه له نصائح وفي نفس الوقت يخرجه من الدين وللأسف هذا مايجري في الغالب من المؤسسة الدينية كونهم لا يستطيعون الرد يسقطون من كرامة الإنسان بكل بساطة وأؤكد لا يقصد بكل المؤسسة حتى لا يأتي أحمق فيتحمق أكثر وكأنه اصطاد فريسة ولاتقولوا بأن الرأي الفلاني مخالف للقرآن ورأي الفلاني الآخر صائب فجميعهم يسبحون في بحر الآراء والتفاسير وينقل عن الإمام زين العابدين أنه قال:

إني لأكتم من علمي جواهره - - - كيلا يرى الحق ذو جهل فيفتتنا

ورب جوهر علم لو أبوح به - - - لقيل لي أنت تعبد الوثنا

ولا ستحل رجال مسلمون دمي - - - يرون أقبح ما يأتونه حسنا