آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 11:39 م

العاطفة.. الحقد

محمد أحمد التاروتي *

تشكل العواطف عنصرا أساسيا، في تأسيس الكثير من العلاقات الإنسانية، حيث تتعرض تلك العلاقات لحالة من المد والجزر، تبعا لنوعية العلاقات القائمة بين الأطراف المختلفة، فتارة تتعرض للكثير من الفتور والتباعد المؤقت، نتيجة لاختلاف وجهات النظر، وكذلك جراء تمسك كل طرف بوجهة نظره، مما يؤسس لحالة من ”الخصام“ المؤقت، وتارة أخرى تدخل العلاقات في مرحلة القطيعة التامة، نتيجة لرغبة كل طرف بانهاء تلك العلاقات، نظرا لوصولها لنقطة التباعد والنهاية التامة، مما يجعل عملية اعادتها لسابق عهدها بمثابة مضيعة للوقت، الامر الذي يحدث قناعة مشتركة، بضرورة التسليم لمبدأ ”القطيعة“ الدائمة، عوضا من البحث عن حلول ليست قادرة، على إعادة الحياة لطبيعة العلاقات السابقة.

العواطف تلعب دورا أساسيا، في تحريك العلاقات الإنسانية، بالاتجاه الإيجابي او السلبي، فبمجرد تحول العواطف بين الأطراف الى حالة من الأحقاد المتبادلة، فانها تؤسس لمرحلة خطيرة وصعبة في الوقت نفسه، حيث تتحرك جميع الأطراف باتجاه التصيد، ومحاولة نصب الافخاخ في الطريق، بهدف احداث حالة من الرضا الذاتي أولا، والسعي الدائم لنشر غسيل خصمه على الملأ ثانيا، مما يشكل انعطافة خطيرة في مستقبل العلاقات الإنسانية، نظرا لاعتماد المبادئ غير الأخلاقية في الخصومة، وبالتالي فان كافة الأطراف او احدهم يتحرك في جميع الاتجاهات بغرض اقتناص الفرص، والبحث عن النقاط السلبية لتوجيه الضربة القاضية، خصوصا وان عملية الانتصار في المعركة، من اجل اظهار الصواب في انهاء العلاقات الإنسانية، تجاه الطرف الاخر، الامر الذي يفسر العمل على نشر الفضائح، بطريقة غير مقبولة على الاطلاق.

الأحقاد بما تحمل من اثار تدميرية، على مستقبل العلاقات الإنسانية، تدفع باتجاه خيارات غير أخلاقية، خصوصا وان تحول العلاقات الدافئة الى تشاحن، وتبادل الاتهامات، يفتح الأبواب امام الأطراف المتخاصمة، لاستخدام جميع أنواع الحروب المشروعة، وغير المشروعة، من خلال الاستفادة من المعلومات القديمة، في تدمير الخصم ”الجديد“ اجتماعيا او نفسيا، نظرا لامتلاكه بعض الأوراق القادرة، على اثارة الرأي العام الاجتماعي، الامر الذي يفسر الكثير من الممارسات غير الأخلاقية، الصادرة من البعض تجاه ”أصدقاء الامس“، حيث تحاول تبرير تلك الممارسات بطابع أخلاقي تارة، وحماية المجتمع من اعمال ”الصديق - العدو“ تارة اخرى، وبالتالي فان الأحقاد تفتح الطريق لممارسة الأرض المحروقة، تجاه ”أصدقاء الامس“ باعتبارها الوسيلة المناسبة للانتقام، وتشكيل مرحلة جديدة قائمة على احراق جميع الأوراق مع الصديق السابق.

استخدام البيئة الاجتماعية في حرب ”الأصدقاء“، تمثل احدى الوسائل المعروفة في الانتقام، حيث يعمد بعض الأطراف لاقحام المجتمع في المواجهة المباشرة، خصوصا وان الفشل في الانتصار في الخصومة، يشكل محفزا لاستخدام استراتيجية المجتمع في الصراع القائم، لاسيما وان المجتمع يمثل عنصر ضغط كبير، مما يجعل الصمود امام الرأي العام عملية صعبة للغاية، فهناك الكثير من الصراعات وجدت طريقها للانتصار، بمجرد دخول المجتمع كطرف فاعل مع احد اطراف الصراع، ”يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ ? فَمَاذَا تَأْمُرُونَ“، بمعنى اخر، فان عملية الانتصار في الصراع، تكون مرهونة بالقدرة على استقطاب البيئة الاجتماعية، باعتبارها احد الأسلحة القوية في إدارة الخصومة بالطريقة المناسبة.

التحكم العقلاني في العواطف، ومحاولة الاتزان في الروابط الإنسانية، بالإضافة لمحاولة التحرك وفقا للقيم الأخلاقية الحاكمة، عناصر أساسية في وضع الأمور في الميزان الصحيح، الامر الذي يؤسس لشبكة علاقات اجتماعية، بعيدا عن الأحقاد الدفينة، خصوصا وان الانتقام يحجب الرؤية عن مشاهدة الكثير من الممارسات غير الأخلاقية، نظرا لتعطيل العقل وترك الاهواء تمارس الدور القيادي، في إدارة المعركة بطريقة غير عقلانيةِ، وبالتالي فان التحرك وفق ميزان العقل يلعب دورا أساسيا، في انتهاج الاليات المناسبة، وعدم الانقياد وراء الممارسات غير المنضبطة، باعتباره احد الأسباب وراء تخريب الكثير من العلاقات الإنسانية، ودخولها في مرحلة الخصومة الشديدة.

كاتب صحفي