آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 11:39 م

اليقين.. الأسباب

محمد أحمد التاروتي *

اتخاذ الأسباب لا يتناقض مع اليقين الثابت، فالعملية ليست ”كفرا“ او ”ضعف ايمان“، بقدر ما تعكس التحرك وفق السنن الطبيعية، مما يحفز على انتهاج الاليات الاعتيادية، في الوصول الى اليقين، خصوصا وان المقدمات تصبح ”واجبة“، كما في العديد من الأمور العبادية، انطلاقا من القاعدة الفقهية ”مقدمة الواجب واجب“، مما يستدعي وضع الاطار المناسب للتحرك وفق خطوات ثابتة، بعيدا عن القفزات الكبيرة وغير المدروسة، نظرا لخطورة العمل العشوائي في الممارسات الحياتية، والتحركات على اختلافها، سواء على الصعيد الفردي او الجمعي.

اليقين عملية أساسية للتحرك، وعدم الاستسلام للعراقيل والمصاعب، خصوصا وان انعدام ”الايمان“ يفضي لحالة من الفراغ الداخلي، والركون للضغوط النفسية احيانا والاجتماعيةاحيانا اخرى، مما يستدعي التمسك باليقين باعتباره السلاح الفعال، في مواجهة مختلف أنواع المصاعب، والضغوط على اختلافها، فالمرء الذي يمتلك الايمان الراسخ يتحرك بفعالية كبيرة، بعيدا عن الافخاخ التي تنصب في الطريق، مما يجعله اكثر قدرة على ممارسة دوره الإيجابي، في البيئة الاجتماعية.

وجود اليقين ليس كافيا في تحقيق الأهداف المرسومة، فالعملية مرهونة باستخدام الاليات والأساليب المختلفة، خصوصا وان ”لغة العصر“ تلعب دورا أساسيا، في اختيار الوسيلة المناسبة، نظرا لصعوبة التمسك بالطرق القديمة في المرحلة الراهنة، نظرا لاختلاف العصر وكذلك تغير اللغة المتداولة، مما يستدعي التعامل بواقعية بالانسجام الكامل مع المرحلة الزمنية، لاسيما وان العودة للوراء لا تجلب سوى بعض المتاعب، والدخول في المتاهات، ”العالم باهل زمانه لا تهجم عليه اللوابس“، وبالتالي فان محاولات الخروج من شرنقة الماضي، يفتح الأبواب امام الكثير من الخيارات، والتعرف على العديد من الوسائل، مما يشكل جدارا قويا لتكريس حالة اليقين، على الصعيد الشخصي بالدرجة الأولى.

تحديد اليات محددة عملية صعبة، وغير متاحة في الغالب، خصوصا وان الأسباب تختلف باختلاف المرحلة الزمنية، وكذلك تباين الطرق المناسبة لمعالجتها، بالإضافة لذلك فان الحصول على اليقين، يستدعي التحرك وفق خطط مرسومة، الامر الذي يتطلب الدراسة الوافية، لكافة الخيارات المطروحة، من اجل الوصول الى الحلول العملية، بالإضافة لعدم الاستعجال والاعتماد على التريث في الخطوات، بهدف وضع جميع الاحتمالات في الحسبان، لاسيما وان الدخول بشكل فوضوي، لا يجلب سوى الخراب، والابتعاد عن الأسباب القادرة، على تكريس حالة اليقين الداخلي، بمعنى اخر، فان الظروف الزمانية والمستوى الثقافي والتفاعل الاجتماعي، عناصر أساسية في تحديد الاليات المناسبة، لاسيما وان تغافل احد الأسباب يحدث ثغرة كبرى في جدار اليقين الداخلي، حيث تبدأ الفجوة في الاتساع بشكل تدريجي، مما يعرقل جميع عمليات الترقيع، ومحاولات سدها بالحلول المستعجلة، وغير العملية.

الكثير من الحلول ليست مطلوبة دفعة واحدة، فالتدرج في اختيار الحلول امر مطلوب، خصوصا وان المعالجات المتدرجة، تحدث حالة من التوازن في الاختيار المناسب، فضلا عن كشف العيوب والوقوف على الإيجابيات، مما يمنح فرصة كافية لمعالجة أسباب الخلل، والانتقال للمرحلة الأخرى بطريقة اكثر وعيا، بحيث تنعكس بصورة مباشرة على الأساليب القادمة، نظرا لوجود دراسة وافية لمكامن الخلل، وكذلك التعرف على عناصر القوة، وبالتالي فان القفزات الكبيرة على الحلول المقترحة، لا تخدم اليقين، ولا تقود الى ممارسات اكثر توازن، على المدى المتوسط والبعيد، لاسيما وان بعض الحلول تتطلب فترة زمنية لاكتشاف عناصرها إيجابية، والوقوف على الجوانب السلبية، مما يشكل عاملا أساسيا في التحرك وفق منهجية الخطوات التدريجية، عوضا من اعتماد الحلول الجمعية ”السلة الواحدة“.

اليقين مرحلة أساسية لتحقيق حالة من التكامل الداخلي، بحيث لا يقتصر على الجانب الديني، ولكنه ينسحب على مختلف الجوانب، سواء الثقافية او الاجتماعية او غيرها، بيد ان الوصول الى مرحلة اليقين تتطلب اتخاذ الأسباب الطبيعية، خصوصا وان الطريق الى اليقين يمر بعدة مراحل، مما يستدعي التعرف عليها بشكل دقيق، من خلال الدراسة الوافية للاليات المناسبة، لمعالجة مشكلة اليقين بطريقة علمية، بعيدا عن الانفعالية والعشوائية، التي تتصف بعض التحركات في مختلف القضايا، سواء على الصعيد الشخصي او الجمعي.

كاتب صحفي