آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 7:41 م

توقف النبض

ماهر ابراهيم المرهون *

أخيرا أقنعت هؤلاء الجبناء، أصحابي، بأن نجتمع ونستمتع بوقتنا وننسى فيروس كورونا والتهويل منه.

أقنعتهم أن نجتمع في بدايةِ وقت الحظر ونقضي المساء معا ثم يذهب كل منا إلى بيته عندما ينتهي الحظر

فهذا النظام ينطبق على الآخرين وليس علينا

أخيرا اقتنعوا

أخيرا.. استطعت أن ابعث فيهم الشجاعة

سوف نلتقي هذا المساء لنستمتع بأيامنا فيكفينا حظر بدون فائدة

خرجت من البيت الساعة الثالثة إلا ربع مساء فقد كان الحظر يبدأ في الساعة الثالثة

ذهبت إلى مجلس صاحبي ورأيت جميع أصحابي قد وصلوا.

سلمنا على بعضنا واحتضن كل منا الآخر فنحن لم نجتمع مثل هذا الاجتماع منذ شهر

ونحن جالسون، سمعنا سيارة الإسعاف تقل أحد المرضى فقلنا وابتسامة عدم الاكتراث تملأ وجوهنا... مريض كورونا أخر. كم يا ترى وصل العدد.. دع هذا الفايروس يأتي لنا لنراه.. وضحكنا وقضينا ليلتنا نتحدث ونضحك ونأكل ونشرب وندخن.

كانت ليلة رائعة

وعندما جاء الصباح، ذهب كل منا في سبيله وتواعدنا لنعيد الكرة

ذهبتُ إلى البيت ورأيتُ أبي وأمي، فأفطرت معهم ثم شربوا أدويتهم وذهبت أنا لغرفتي لأنام

ومر يومان ثم أحسست بوهن يتسلل إلى جسدي

أحسست بثقلٍ في أنفاسي

لاحظ أبي وأمي التغير علي

فأعطوني شراباً ساخناً ليريحني

جلست معهم ما يقارب الساعة ثم ذهبت لارتاح ولكني لم أستطع. كلمت صاحبي لأتسلى معه ولكن تلفونه مغلق

كلمت الآخر لكنه لا يرد

ماذا حصل يا ترى

كلمت الثالث فرد علي وكان صوته متغيرا فسألته ما بك.. فقال إنها كورونا اللعينة

اهتز جسمي عندما سمعت الخبر

لم أعرف ماذا افعل

أخفيت الأمر.. فإنني قوي وسينتهي هذا المرض مني دون أي تدخل طبي

أتتني أمي تسأل عني فقلت لها إني أصبت بإنفلونزا

ذَهَبَت ثم بعد ساعةٍ جاء أبي يطمئن علي وَأَصَرَّ أن اذهب إلى المستشفى

أخذني أخي وذهبنا وكانت الصاعقة

فقد كنت مصاباً بكورونا

الصاعقةُ لم تكن هنا بل إن أخي أيضا كان مصابا. لقد نقلت له العدوى

حجزونا في المستشفى. كانت حالتي سيئةً جدا. شعرت بالتعب والوهن يتسلل إلى جسدي. أحسست أن جسدي صخرةٌ ثقيلةٌ ملقاة على سريرٍ أبيض لا تتحرك. ألمٌ شديدٌ في صدري لا أستطيع تحمله. أحسستُ بان صدري كزجاجة تريد أن تتكسر. كل نَفَس يَجْرِ معه آلاماً لا تحتمل.

استسلمت ورضخت إلى مصيري. هذا ثمن استهتاري. ومرّت الأيام. أيام كلها ألم ومعاناة. مرت الأيام وكأنها صخرة تتدحرج على صدري تكسر أضلاعي.

وفي اليوم الثاني عشرة من المعاناة، رأيت الباب يفتح، وإذا به أخي يمشي وكأنه حمل هم الدنيا على رأسه

كانت عيناه تتحدثان عن ألم وحزنٍ عميق. سألته، أخي، هل طبت من المرض،

أجابني نعم.. تأسفت له وبكيت، فأنا من نقل له المرض باستهتاري وأنانيتي

أنا آسفٌ يا أخي.. سامحني.. أرجوك سامحني،، وبكيت لعل الدموع تغسل قلبي وتأخذ معها إحساسي بالذنب

نظر لي أخي.. وركز في عيني وقال

لقد اعتذرت لي.. فيا ترى كيف ستعتذر لأغلى البشر على قلوبنا.. كيف ستعتذر لابي وأمي.

لقد رحلا عن هذه الدنيا

فلم يحتملا مرضا نقلته أنت لهم

عم السكوت وأحسست بدوار شديد

ونظرت لأخي النظرة الأخيرة

وتوقف النبض