آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

أكبر من قرصة أذن

عبد الرزاق الكوي

الإنفاق العسكري على نطاق العالم والحروب المفتعلة فقط خلال السنوات القليلة الماضية يكلف البشرية تريليونات الدولارات، فالدول المصدرة والمصنعة للأسلحة لا أحد يعرف عن الكميات غير المعلن عنها والسرية. وكذلك الحروب المشتعلة والحروب التي يعمل على إشعالها، خسارة في تصنيع العتاد العسكري لأنه يأتي على حساب متطلبات إنسانية أخرى، كذلك استعماله يفتك بالبشرية ويهدد البنى التحتية للدول، والعالم المصنع للسلاح

اليوم لا يكتفي بالأسلحة الاعتيادية وهي مدبرة وقاتلة بل يتسابق في صنع ونشر الأسلحة المحرمة دوليًا، استعمل قليل منها وراح ضحايا من جراء ذلك الكثيرون في العالم، من استخدام الأسلحة النووية والكيميائية والعنقودية في ظل عالم اليوم لا يحتاج إلى حيازة كل تلك الأسلحة، فالفقر والبطالة والأوبئة والعنصرية تفتك اليوم بالإنسانية.

العالم يحكم من قوى لا تريد الخير للبشرية فالمادة هي المقياس الحقيقي لقيم تلك الدول، والهيمنة هي الهم الأكبر والربح هو مقياس النجاح والتفوق.

فالعالم اليوم يطلب مستلزمات صحية ويعيش على أمل لقاح ضد الوباء، الواقع يمكن توفير شتى أنواع الأسلحة ولا يمكن توفر المستلزمات الصحية، فالصحة والإنسانية اليوم هي آخر اهتمامات عالم ما يسمى المحتضر، وحتى لو اكتشف الدواء فكم من الأرباح سوف يدخل الخزينة قبل نجاة البشرية من هذا الوباء.

العالم المتطور انتج جماعة القاعدة الإرهابية يوم اراد أن يحقق مبتغاه استفاد منها أولا في ترويج الترسانة العسكرية لديه، وتدمير دول حتى تحتاج لمحاربة القاعدة عليها أن تشتري السلاح، وكذلك كانت توأم القاعدة داعش صنعت لأهداف مماثلة للقاعدة والخاسر هو العالم بشكل عام والشرق الأوسط بشكل خاص. والرابح الشركات العابرة للقارات المسيطرة على مقاليد العالم.

الهم العالمي اليوم مشغول بتكنولوجيته المتطورة الهم الأول لديه كشف كل نقطة على بقاع الأرض يمكن يهدد اطماعه وسيطرته وهيمنته، ليس الهم لديه تشغيل كل إمكانياته في البحث عن حماية الإنسان والبيئة والصحة.

هذا الفكر المصر على السير في هذا الطريق يأخذ العالم سريعًا نحو الهاوية وإلى الفناء ولا توجد بارقة أمل في عقليات استحوذت المادة على جل تفكيرهم. حتى لو سالت أثر ذلك الدماء البريئة وهجرت الشعوب ترجوا النجاة من أهوال الحروب، وهذا ما يشاهد اليوم في العالم العربي كيف دول عانت وأخرى لاتزال تعاني ويلات الحروب والمؤامرات، شعوبًا أكرمها الله سبحانه وتعالى وتهان من قطاع الطرق من أجل مصالح ضيقة وخاصة ولقلة تحكم العالم، تخالف على مرأى العالم كل القيم والأعراف الدولية والإنسانية بدون أي وازع.

فالاستثمار اليوم ليس من أجل راحة الإنسان بل لقتل الإنسان، وأن يكون محط تجارب لمصانع الأسلحة والمصانع الأخرى التي ترفع الرصيد المالي لتلك الشركات.

العالم أثخنته الحروب قتلا وجرحًا، وزادته فقرا ومجاعة يعيش على أمل المنقذ من هذه الشرور، أو من منظمات تتكامل وتتكاتف في تضامن تستطيع منه الوقوف في وجه من يريد تدمير هذا العالم ومن يقف وراء هذا الشر وفي أقل تقدير كبارقة أمل تخفف الوضع المأساوي الذي تعيشه الإنسانية. أن يخفف من التسابق على التصنيع العسكري خاصة اسلحة الدمار الشامل، لو أنفقت جزء منها للجانب الإنساني لكانت البشرية بألف خير.

العالم يحتاج إلى أكثر من قرصة اذن وضرب على اليد، الأمر مستفحل ووصل آخر العلاج الكي، أن يتكاتف العالم حتى يستطيع مواجهة الأخطبوط المدمر، محتاج إعادة ترتيب الأولويات وتغليب منطق العقل وإنقاذ مايمكن إنقاذه. برفض السياسة المتبعة، بخطوات شجاعة وقوية تستطيع ان تواجه تلك القوة بما تملك من مال وعتاد وإعلام، تقلب فيه الأمور تصور للعالم أنه المنقذ والحقيقة أنها تدمر العالم، تعمق فيه حالة من الفوضى والصراعات والحروب.

والأمل سيكون مع بروز دول وكيانات ترفض هذا التوجه، وفي توحدها يكسر هذا الطوق التي يخنق العالم تحت مظلة واحدة ترسم السياسات وتخطط لمستقبل الإنسانية حسب مصالحها.

ومع المشارفة على ختام هذا المقال المتواضع جاء خبر محزن وهو انفجار مرفأ بيروت وكأن هذا البلد الجميل والشعب الطيب ينقصه هذا الدمار تحت أيدي الفساد والمفسدين والمحاصصة والتنافس على مقاليد هذا البلد والضحية ابرياء تذهب ارواحهم ويحاربون في أرزاقهم، جراء انفجار 2750 طن من مادة نترات الأمنيوم وهو مركب كيميائي بلوري عديم الرائحة ومع مزجه بزيوت الوقود يؤدي إلى تفجيرات مدمرة وخطيرة واستخدمته جماعات إرهابية في سوريا لصنع متفجرات ضد الجيش والشعب السوري.

خلف الانفجار حفره يقدر عرضها بنحو 140 متر وسويت أرض المستودعات مما يزيد من معاناة الشعب والاقتصاد اللبناني، فالخسائر حتى هذا التاريخ بين 10و 15 مليار دولار وأكثر من 300 ألف بلا مأوى في ظل وضع اقتصادي مزري كان قبل الانفجار يحتاج إلى ما يصل 93 مليار دولار لإنقاذ اقتصاده، مع تهالك البنية التحتية العامة والاحتياجات الاخرى، وزيادة على ذلك وفاة أكثر من 130 شخص وإصابة أكثر من 5000 جريح، وأضرار عديدة بالعاصمة وضواحيها وتدمير المرفأ التي كان يدخل على الاقتصاد اللبناني ما مقداره 200 مليون دولار في عام 2019 وأضرار كاملة في مستودعات ومخازن مثل صوامع القمح الموجودة في المرفأ حيث لا يمكن استخدامه بسبب التلوث ويعتمد لبنان على واردات القمح بنسبة 90٪، توقف المرفأ سيؤدي إلى خسائر كبيرة بمليارات الدولارات غير التأثيرات الاخرى من سياحة وتدمير كثير من المشاريع والمؤسسات وتعطل اعمال وزيادة معدلات البطالة حيث كانت قبل الانفجار 35 ٪ ويعيش نصف سكان لبنان تحت خط الفقر وانهيار الليرة اللبنانية.

الأمل اولا بمحاربة الفساد التي ينخر الجسد اللبناني والاهتمام بالإنسان اللبناني الطيب بدل الأحزاب وبناء التحالفات والخاسر الشعب المغلوب على أمره، والأمل بالمساعدات التي شوهد الاستعداد من كثير من دول العالم وهي تهب للمساعدة، حبا لهذا البلد الطيب وشعبه المسالم، حفظ الله هذا البلد العزيز من كل شر وقوض لها رجال يقومون بواجبهم بدون ضغوطات وإملاءات خارجية سلمت يا لبنان الخير.