آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 7:41 م

مشاهد حب من كربلاء... جديد الشيخ عبدالغني آل عباس

رضي منصور العسيف *

الكاتب: الشيخ عبد الغني آل عباس
الطبعة الأولى 1441 هـ 2020 م
عدد الصفحات 109 صفحة
الناشر: دار أطياف للنشر والتوزيع بالقطيف
عرض:
رضي منصور العسيف

مشاهد حب من كربلاء هو الإصدار الثالث عشر الذي تصدره لجنة الإمام الجواد بالشويكة، فمنذ تأسيس اللجنة اهتمت بالجانب الثقافي فأقامت الندوات الثقافية وأرفدت الساحة الاجتماعية بالعديد من الإصدارات الثقافية.

ويأتي هذا الكتاب ضمن سلسلة كتب تهتم بالجانب الحسيني، وإيضاح معالم النهضة الحسينية وتجلياتها المختلفة.

في هذا الكتاب يتحدث سماحة الشيخ عبد الغني آل عباس عن بعد مهم من أبعاد النهضة الحسينية ومشهد رائع من مشاهد هذه الحادثة الخالدة، إنه مشهد الحب الحسيني الذي تجلى بأبهى صوره في عاشوراء وتغلغل في كل ذرة في المعسكر الحسيني رغم الجراحات ورغم طعنات الرماح، إلا أن ”الحب «بما أنه» شعور إنساني رقيق لا يلقاه إلا من تسامت نفسه على كل شحنات الضغينة وتخلصت من جفاف المشاعر“ فكان باعثًا للصمود وباعثًا للتضحية والفداء.

من هنا يبدأ الحب

يقول الشيخ آل عباس: يدور مفهوم الحب في فضاءين أحدهما أكبر من الآخر، الأول هو الفضاء الأرحب والأوسع وهو حب الله تعالى، ومنه يتولد الفضاء الآخر ألا وهو حب الإنسان، مطلق الإنسان كان قريبًا أو بعيدًا، موافقًا أو مخالفًا.

عندما يغمر الحب كيان الإنسان وعندما يكون حب الله منطلقًا لأعمال الإنسان وسلوكه وترتبط كل تحركاته بهذا الحب الإلهي فإن أشد المصاعب تكون أبسطها وأهونا، وهل هناك أعظم من مصيبة يوم عاشوراء إنه "موقف عصيب وعظيم، ولكنه يهون، وكيف يهون؟ إنما يهون لأنه تحت لطف الله تعالى، وهذا ما عبر عنه الحسين صراحة بقوله: «هوَّن عليَّ ما نزل بي أنه بعين الله» إذ مع عظمة وشدة ما وقع في يوم عاشوراء، إذ كيف يمكن لقلب بشر أن يتحمل لولا اتصاله بقوة وقدرة لا متناهية؟ نعم لذلك أصبح هينًا، وهو في الواقع عظيم بل عظيم جدا، هونه إرجاعه الأمر لله تعالى.

وفي فصل آخر من فصول كربلاء نجد الإمام الحسين يحث على إقامة الصلاة والاستغفار والدعاء ليمثل لنا أروع ”لقاء العاشقين، لقاء الحبيب بحبيبه، لقاء بين القلب العامر بحب الله وبين الله تعالى“ وليكون هذا اللقاء علاجًا مقاومًا لـ ”اليأس والإحباط الذي قد يحيط بالقلب البشري جرّاء تقلبات الدنيا وأزماتها“

وكما كانت للصلاة في يوم عاشوراء تجلياتها وصورها العظيمة، كان للدعاء الحسيني تجلياته ومدلولاته، وكانت علاقة الإمام الحسين بالدعاء قد تجلت في موارد كثيرة، وجوهر هذه العلاقة أنه فوض كل أموره إلى الله تعالى، يقول الإمام الحسين : «أدعوك محتاجًا وأرغب إليك فقيرًا، وأفزع إليك خائفًا» هذا دليل على التسليم المطلق للإرادة الإلهية، وهذا التسليم الذي جعل الإيمان متلألئًا في القلب نجده قد انعكس على الكلمات العرفانية في الدعاء، وهذا هو مصداق قوله تعالى: ﴿والذين آمنوا أشد حبًّا لله.

من حب الله إلى عباد الله

لا يتوقف القلب المحب لله تعالى عند هذا الحد، بل إن ذلك القلب يفيض حبًّا وعاطفةً للإنسان باعتباره أشرف مخلوقات الله تعالى.

إن قلب الحسين العامر بحبِّ الله تعالى قد انساب منه الحبُّ في مشاهد كربلاء، وعبَّر الحسين عن ذلك بكلماته يوم عاشوراء حين قال «أيّها الناس اسمعوا قولي، ولا تعجلوا حتّى أعظكم بما هو حق لكم عليَّ» هذه الكلمات جاءت قبيل المعركة بغرض إقامة الحجة على من يشترك في القتال، ولكنها مظلة بمقصد الموعظة لعل تلك القلوب تخرج من نطاق هيمنة التوافق الاجتماعي والضلالة الثقافية والقيمية إلى رحاب الحقيقة الغائبة عنهم.

عناق الحب مع الشبيه

في لحظات الحرب وبين القتلى فإن مساحة الحبِّ لم تتضاءل أبدًا، بل تجلَّت بأفضل صورها وأبهى مشاعرها.

فها هو ”الأب الكريم سيد الشهداء يفيض قلبه حبًّا لأسرته وعائلته، ويظهر ذلك جليًّا وبصورة أوضح وأكبر مع ولده عليٍّ الأكبر الذي بلغ مبلغ الرجال إذ أن عمره المبارك جاوز العشرين عامًا، لكن مع اقتراب ساعة الفراق تبرز المشاعر الدافئة من القلب المحبِّ“.

الحسين والعباس... علاقة حب متبادلة

إذا تأمَّلنا في العلاقة الأخوية الخالصة بين الإمام الحسين وبين أخيه العباس لوجدنا أنها علاقة مثالية، قلمّا نجد في التاريخ مثالاً لها.

إن الحب المتبادل بين الحسين والعباس عليهما السلام تجلَّى بأبهى صوره يوم العاشر من المحرم، إن هذا الحب المكنون في القلب الحسيني تجاه أخيه العباس هو الذي دعاه إلى اظهار مزيد من التفجع والألم عند فقده حيث وضع يده على خاصرته وقال الان انكسر ظهري، وفي مقابل هذا الحب الحسيني هنالك أيضًا حبٌّ عباسيٌّ منقطع النظير لأخيه الحسين ع، ترى ذلك بعين القلب والبصيرة في الوفاء والمواساة منه لأخيه.

حب لمن أصبح حرًا

ويتجلى الحب الحسيني في موقف آخر في يوم عاشوراء مع الحر بن يزيد الرياحي، إذ مع سابقية الحر في حصار الحسين وإيصاله إلى هذا المكان، إلا أنه استقبله أفضل استقبال وجعله مندمجًا مباشرة مع نهضته الحسينية المقدسة، بل وأشدُّ من ذلك وقف على مصرعه وهو يَقُولُ: «أَنْتَ الْحُرُّ كَمَا سَمَّتْكَ أُمُّكَ حُرّاً فِي الدُّنْيَا والْآخِرَةِ»، وهذه هي مشاعر الحسين الحبية قد فاضت على مصارع أصحابه فكلما وقع منهم شهيد على تراب كربلاء وقف مؤبنًا له بكلمات النعي والرثاء.

حب بلا قيود

شارك في معركة عاشوراء جمع من الموالي وفي مقدمتهم جون مولى أبي ذر الغفاري وكان له دورٌ واضح في نصرة الحسين ، ولذا كان للحسين موقفًا مع هذا البطل وهذا الناصر وكان "الموقف الحسيني نابعًا من الحبِّ الذي لا يتقيد بقيد ولا يتحدّد بحد، إذ ربما تجد في الواقع البشري حبًّا مقيدًا ومحددًا بنسب أو لغة أو مصلحة، بينما قلب الحسين العامر ما كان يخضع لهذه التحديدات، بل كان يفيض بالحب اللاهب تجاه من يستحق هذا الحب، حتى لو كان عبدًا مملوكًا فإنه يقوم معه بذات الطقوس التي كان يقوم بها مع ولده.

لقد أقبل إليه ووضع خده على خده كما صنع بولده الشبيه علي الأكبر ودعا له قائلاً: «اللهم بيِّض وجهه، وطيّب ريحه واحشره مع الأبرار، وعرِّف بينه وبين محمد وآل محمد».

كانت تلك محطات ومشاهد الحب التي تجلت في كربلاء.

كاتب وأخصائي تغذية- القطيف