آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 2:44 م

فتح كربلاء ”7“

محمد أحمد التاروتي *

فرضت واقعة كربلاء نفسها كعلامة فارقة على شهر محرم الحرام، حيث تنقلب المنابر في مختلف ارجاء الدنيا رأسا على عقب، بمجرد ثبوت هلال الشهر الحرام، جراء تكرار هذه الفاجعة الكبرى على الالسن بمختلف اللغات العالمية، فالخطباء يتناولون هذه القضية من زوايا متعددة، نظرا لاختلاف الثقافات وكذلك نتيجة تنوع الجمهور المتلقي، مما يستدعي انتهاج الاليات المناسبة لايصال رسالة كربلاء، خصوصا وان الاختلاف في الطبقات الاجتماعية يفرض استعمال الخطاب المتوازن، وعدم الانجرار وراء اللغة الصعبة والمعقدة، باعتبارها الوسيلة المناسبة لتبيان اهداف القضية الحسينية.

اقتران شهر محرم الحرام مع الثورة الحسينية لم يعد خافيا على الجميع، حيث تمكنت هذه القضية من انتزاع فسحة زمنية سنويا في مختلف المنابر الإعلامية، نظرا لعدم وجود منافس قادر على مجاراة هذه الواقعة في الكثير من بقاع العالم، فبالرغم من محاولات التقليل من تأثير واقعة كربلاء على الضمير الإنساني، عبر استخدام مختلف الوسائل، فانها استطاعت الصمود في وضع ”محرم الحرام“، كشعار للحزن والاسى، حيث يتجلى في الحياة العامة لدى محبي اهل البيت في العالم، من خلال لبس السواد كتعبير عن الحزن واظهار المواساة لاهل البيت .

التعاطف الكبير مع الثورة الحسينية، ساهم في وضع الشهر الحرام، في خارطة ”الحزن“ السنوي، فالمشاغبات الساعية لسلب القضية الحسينية التعاطف، اصطدمت بواقع صلب من الحقائق على الأرض، مما ساهم في فشل تلك المشاغبات، الامر الذي دفع تلك الأطراف لمحاولة انتهاج طريق أخرى، للتشويش على واقعة الطف، من خلال استخدام شعارات ”الحب“ القلبي، والابتعاد عن المظاهر الخارجية، انطلاقا من ترديد سيفونية مكررة، تتمثل في الممارسات المتبعة لاظهار الحزن والاسى لسيد الشهداء مستهجنة، وتنم عن غياب كامل لاهداف هذه القضية، بمعنى اخر، فان الفشل في الغاء الشعائر الحسينية خلال شهر محرم الحرام، شكل احد المحفزات لمحاولة ركوب الموجة بطريقة أخرى، بهدف افراغ القضية الحسينية من محتواها، والعمل على زرع مفاهيم أخرى، بهدف التأثير على البيئة الاجتماعية الداعمة، لمواصلة نشر اهداف واقعة كربلاء بالطرق المعهودة.

توجد الكثير من الاحداث التاريخية، ولكنها فشلت في ترك بصمة في ذاكرة الشعوب، مما جعلها محصورة في كتب تاريخ، نظرا لافتقارها للعناصر والمقومات القادرة على فرص نفسها على التاريخ، بخلاف قضية كربلاء التي وضعت بصمة واضحة في التاريخ الإسلامي، حيث يتجلى في استمرارية احياءها بشكل سنوي منذ 14 قرنا، الامر الذي يعطي دلالة واضحة على ”فتح كربلاء“، فالتاريخ يتحدث عن معارك دامية لا يكاد تذكر سوى في مناسبات قليلة، والبعض منها، تجاهلها التاريخ بشكل كامل، فيما شعلة كربلاء ما تزال قادرة على العطاء بشكل مستمر، بحيث لم تعد هذه القضية محصورة في أيام العشرة الأولى من محرم الحرام، انما تتناولها المنابر الإعلامية على مدار العام.

الصمود الأسطوري للقضية الحسينية خلال القرون الماضية، مرتبط بالقدرة على مقاومة الضغوط والممارسات التعسفية، لدى بعض السلطات الحاكمة، حيث وجدت الكثير من الممارسات التعسفية تجاهلا من محبي اهل البيت ، مما احدث حالة من اليأس من مواصلة مشوار التنكيل، في سبيل منع نشر قضية كربلاء، فالتاريخ يتحدث عن الكثير من القرارات المجحفة ابان الدولة العباسية، وكذلك بعض الممارسات في العهود القريبة، مما دفع المنابر الإعلامية لاستخدام الكثير من الحيل للافلات من تلك القرارات، الامر الذي ساهم في وصول هذه القضية للأجيال، وبالتالي فان التضحيات الجسام شكلت جسرا، لصمود القضية الحسينية في وجه الاندثار، او العمل على اخفاءها من الوجدان الشعبي.

يبقى شهر محرم الحرام ”شعار“ حصري للقضية الحسينية، فالعملية ليست مرتبطة بتزامن يوم عاشوراء مع شهر محرم الحرام، بقدر ما يرتبط بالقدرة العجيبة لهذه النهضة في تحوير الزمن لصالحها، فالمعركة لم تتجاوز ساعات قليلة من اليوم العاشر، بيد ان المعركة حجزت فسحة زمنية واسعة في ذاكرة الزمن، وكذلك لدى محبي اهل البيت ، الامر الذي يتجلى في تحويل هذا الشهر الى عزاء مستمر، لمواساة الرسول ﷺ واهل بيته .

وقال الامام الحسين في رساله الى نبي هاشم ”اما بعد فان من لحق بي استشهد، ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح“.

كاتب صحفي