آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 9:19 م

الأميرة التي غادرتنا

وسيمة عبيدي * صحيفة اليوم

يموت الكثير من الناس يومياً ونترحم على الميت الجديد ونتألم لمن نعرفه معرفة سطحية، لكن موت بعضهم يمر علينا كالصاعقة التي تضرب أرواحنا وتحرق جزءاً منها فيختفي بلا عودة. بفقد ذلك الشخص، نفقد جزءاً من حياة وذكريات جميلة عشناها معه منذ الطفولة وفقد ذلك الجزء يترك ثقباً في القلب مؤلماً لا يندمل. قاومت شهقة الحزن وغالبت دموعي منذ سماعي للخبر كيلا ينهار باقي أفراد أسرتي خاصةً أننا في منطقة بعيدة وسيقودون رجوعاً للمنزل، حتى رجعنا جميعاً وانتهى الليل وأصبحت أخيراً وحدي لأنعاك يا أميرة «ألم نكن هكذا نناديك؟» وأستسلم لكل ألم وحزن ودموع بإمكانها التخفيف عن روحي التي شعرت بصعود روحك للباري ولعقلي الذي لا يريد استيعاب صدمة فقدك ولعيني التي لم تتوقف عن البكاء لعلمها أنها لن تراك مرة ثانية. كنت أقاوم الحزن كثيراً في الفترة الماضية وكأني أتحدى المشاعر البشرية الفطرية، وأقنع نفسي أني يجب أن أكون سعيدة في كل الأوقات ومهما واجهت من مواقف مؤلمة لكنك يا أميرة نجحت بامتياز في إسقاطي في حفرة عميقة من الحزن لا أرى لها نهاية. وعلى المثل أقول فعلاً، رب خالة لك لم تلدها جدتك. ما زال وجهك المبتسم وروحك المرحة وأنت تحتضنين وتلاعبين القطط وتعاملينها كأبنائك قبل أن ترزقي بأبنائك ثابتة في مخيلتي. إنسانة مثلك رحيمة جداً على الحيوانات تعاملها كفرد من أفراد العائلة في وقت كان الناس مقتنعين أن الحيوانات يجب أن تُهش وتُزجر وأن مكانها الشارع فقط كيف يكون إذًا تعاملها مع البشر؟.

ولم يكن رحيلك سهلاً أيضاً فقد عانيت الأمرين في التصدي للمرض الخبيث الذي أخذ منك كل مأخذ، وقد شهدنا حربك الضروس معه ولم نستطع فعل شيء لك عدا الجلوس معك لبعض الوقت لتسليتك ببعض الحديث، وإلهائك عن الألم أثناء جلسات العلاج الكيميائي بينما الحقيقة كانت العكس، فنحن من كانت أعيننا ترتاح لرؤية ابتسامتك وأرواحنا تنهل من صبرك وإيجابيتك على الرغم مما كنت تمرين به. وجاءت جائحة كورونا وبدأ الحجر ليحرمك حتى من العلاج المؤلم الذي كان خيارك المر الوحيد ليواجه جسدك انتكاسة قاتلة أودت بحياتك. إنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

نعم دعيني أنعاك يا أميرة وأنا أعلم أن هذه الكلمات القليلة لن تخفف شيئاً من الحزن القابع على قلبي الآن. دعيني أنعاك وأنا لا أستطيع حتى رؤية ما أكتب بسبب دموعي التي لا تريد أن تتوقف لفراقك. دعيني أنعاك وأنا أختبر نوعاً جديداً من الحزن لم أختبره سابقاً يستهدف الروح بعمق وينهش المشاعر بضراوة. دعيني أنعاك يا أميرة وأنعى الابتسامة والجمال والحب والحنان والرحمة والنقاء والبراءة والصدق والعفوية والصبر والإيجابية والإنسانية. دعيني أنعاك يا أميرة وأنعى برحيلك عن هذه الدنيا توازن قوى الخير والشر. دعيني أنعاك وأنعى قطعة من قلبي ذهبت برحيلك ولن تعود.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
صادق
[ الدمام ]: 28 / 8 / 2020م - 9:33 ص
فعلا نعي حزين يفطر القلب شطرين لكن لا نملك الا ان نقول لا حولا ولا قوةً لا بالله العلي العظيم و عظم الله اجوركم و اسكنها فسيح جنانه.