آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 8:40 م

من أراد الخلود فليلتصق بالحسين (ع)

زكريا أبو سرير

إن أحد اهتمامات الإنسان الدائمة، هو الرغبة في البقاء والخلود، فهو من المسلمات لدى البشر. كما أن أمر الوصايا لحفظ النفس من الأمور التي يأمر بها العقل، شأن ذلك شأن غريزة حب البقاء، فهي أيضا من المسلمات التي لا يختلف عليها العقلاء.

وتدخل غريزة حب الخلود عند الإنسان ضمن مجموعة من الغرائز الذي استودعها الله في الإنسان، حالها حال غريزة الجنس وحب المال والرغبة في العلم والصحة والسلطة وما شابه ذلك، وهي من تلك الغرائز البشرية التكوينية لهذا الإنسان.

الإنسان، هذا المخلوق العجيب، لا تنحصر اهتماماته الدنيوية في أمور العيش فقط، والقبض على قوى المال والسلطة، وإنما تمتد إلى الاهتمام بكيفية البقاء ما بعد الرحيل من عالم الدنيا، وهذا تفكير منطقي ومادي في نفس الوقت، قد يوفق له وقد لا يوفق له، وإن وفق لكليهما أو واحد منهما فذلك لا يكون خلودا بالمفهوم القرآني أو العقلي بل هو خلود توقيتي.

الإمام الحسين هو أحد عناصر البقاء والخلود، ولكنه خلود مختلف عن الأول تماما، فهو خلود قرآني دائم. إذن ما هو هذا الخلود الحسيني الدائم؟ إنه المفهوم المرتبط بخلود ذكرى الإمام الحسين ومن أتبعه ونصره، وذلك يعتمد على عدة أمور، أولها أن يقرأ سيرته المباركة بعقله وضميره، وثانيا يؤمن بقضيته ويفهم أهدافه الرسالية الإلهية المحمدية الحسينية. إن الخلود بمعناه الحسيني لا يحتاج المتطلع إليه إلى ثروة طائلة أو شخصية اعتبارية، بل لا يحتاج حتى أن يكون مسلما لينال هذه الدرجة. وثالثا اكتشاف اسرار السيرة الحسينية المحمدية، وهي من أسرار الكون، فمن استوعب تلك الأسرار استطاع كشف مضامينها الوجودية، ومن كانت له إطلالة حسينية وقراءة موضوعية لابد أن يكون من الخالدين، وكل دارس للثورة الحسينية وغرف من نهرها الخالد لابد وأن يخلد خلودا حسينياً.

يذكر سماحة آية الله السيد هادي المدرسي في كتابه الإمام الحسين الشهيد والثورة، أن ملحمة كربلاء مدرسة شاملة لجميع مجالات الحياة ولجميع طبقات المجتمع، من رجال ونساء وكبار وصغار، وأغنياء وفقراء. قد اشترك في التدريس في هذه المدرسة فئات مختلفة من أصحاب الحسين ، من الكبار والصغار، والنساء والرجال. فالثورة الحسينية منهج حياة لكل البشر، وليست حصرا على فئة دون غيرها، فالمدرسة الحسينية غطت أبعاد الحياة، وكل من لامس الفكر الحسيني يجعله من الخالدين، أي كانت صفته أو معتقده أو دينه، فالحسين يخلده للأبد.

ومن نماذج ذلك ما ذكره سماحة المرجع المحقق آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي في أحد بحوثه العلمية، حالة عالمين كبيرين وفقيهين واحد خلده التاريخ لأنه وقّر القضية الحسينية وكان حسينيا، وكان معروفا ومشهورا بذلك، وهو السيد حسين القمي رحمه الله حيث إنه توفي منذ قرابة 86 سنة، ولا يزال ذكره قائما وأغلب ذريته أصبحوا مراجع وفقهاء أحياء، وفي المقابل العالم الآخر والفقيه الكبير الذي توفي بعد عشر سنين من وفاة الأول لكنه لم يخرج من ذريته حتى فقيه واحد، لأنه لم يكن حسينياً.

إذن، فغريزة الخلود هي حالة فطرية لدى الإنسان، وقد يمتلئ عقله منذ وعيه على الحياة بالتفكير حول سبل الوصول للخلود. والجواب على ذلك موجود أمامك، ولن يكلفك فلسا واحدا، سوى أن تكون محبا للحسين ، ناصرا له محترما ومقدرا لشعائره وقيمه وأيامه، وأن تتفهم نهضته وأهدافه الحسينية المباركة، التي أشار إليها عدة مرات أمام القوم الظالمين، ومضمونها السير بسيرة جده النبي ﷺ وأبوه الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، «أسير بسيرة جدي وأبي».

تذكروا العقلاء الذين قرروا أن يكونوا من الخالدين سنة 61 هجرية، فقد مروا بلحظة تفكر وتأمل، نقلتهم من حالة الظلام والضياع والدمار والنسيان، إلى موقع النور والخلود الحسيني الدائم، نحن نذكرهم الآن، وسيظلون يذكرون حتى قيام الساعة، ومنهم الحر بن يزيد الرياحي ووهب وجون وطوعة وأم وهب وزوجة زهير وزوجة حبيب بن مظاهر الأسدي وغيرهم لأنهم عقلوا وتفهموا أن ثورة الإمام الحسين أمر من الله وتخطيط من رسول الله، حيث كان جواب الإمام الحسين على السؤال المتكرر حول هدف انطلاقته المباركة؛ شاء الله أن يراني قتيلا.

فهل هناك عاقل لا يريد أن يخلده الله كما خلد سبط رسوله المصطفى ﷺ الشهيد وسيد الشهداء أبا عبدالله الحسين وأصحابه ومن نصروه من الرجال والنساء والأطفال. مازالت صفحات التاريخ مفتوحة للعبور من بوابة الإمام الحسين ؟ الجواب نعم وسفينة الحسين واسعة وترحب بكل محب إلى يوم الدين، واذا لم نناصره بأبداننا فلا يفتنا الانتصار لمبادئه وقيمه الحسينية.