آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

«البارستا» والمفتش

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة الاقتصادية

بعد تردد جم، قررت أن أرتشف قهوة الصباح في محلي المفضل، الذي هجرته منذ نحو ستة أشهر. كان مستوى الرطوبة مقبولا والشمس ما برحت في أطراف السماء.

وصلت إلى المكان المقصود، وجدته كما عهدته نظيفا وأنيقا، ومعقمات اليد متاحة. وما إن باشر ”البارستا“ إعداد كوب القهوة، حتى سألته، أين القفازات؟ لم يجادل، بل التقط زوجا وحشا يديه فيهما، وعاود تجهيز القهوة. الأمر غير العادي أنه على الرغم من مرور ستة أشهر من ”التدريب“ القصري على الاحترازات الصحية، إلا أن الالتزام ليس على المستوى المطلوب. والتعميم ليس مبنيا على حالة فردية بل على جملة مما نسمع ونرى. السؤال، هل الالتزام بالاحترازات أمر اختياري؟ إن لم يكن كذلك فكيف نطمئن أنها تتبع اتباعا دقيقا ليس مرتبطا بمزاج العامل وحسن إدارة المالك؟

قد يرى أحدهم أن احتساء القهوة في المنزل أكثر أمانا وأقل تكلفة، وأتفق مع ذلك تماما، لكن بغض النظر عن تفضيلاتنا الشخصية، إلا أن هناك من يرغب في ارتياد المقهى أو تناول وجبة في مطعم، فما دام أنه قد سمح لتلك الأنشطة بمعاودة عملها نظاما شريطة التقيد بالاحترازات، فعليها أن تلتزم.

السؤال، ما عواقب ألا تلتزم بالتعليمات الصحية؟ قد تكون وخيمة أو تكون بلا أي عواقب، والفارق هو وجود آلية تفرض تطبيق النظام بلا هوادة، لكن كيف؟ مع الأخذ في الحسبان أن عدد المقاهي يتجاوز 20 ألفا، وأنه إلى ازدياد، وبالنظر إلى اتساع رقعة البلاد وانتشار عشرات المدن ومئات البلدات، نجد أن المطلوب جيش من المفتشين الصحيين لتحقيق للالتزام بالاحترازات والسعي إلى فرضها بتغريم من يخالف، ويصبح العدد مهولا إذا أضفنا عدد المفتشين المطلوب كذلك للمطاعم على تنوعها والمخابز ومحال الحلويات.

وتوفيرا للوقت والجهد، ولإحكام تطبيق الاحترازات والتقيد بالتعليمات الصحية، فلا مفر من الاستفادة من التقنية. وما دام أن العمل عن بعد أصبح مقبولا في مجالات عدة، فلا أرى بأسا من تركيب كاميرات لاسلكية في المقاهي والمطاعم ومحال بيع الأطعمة والأشربة ليقوم المالك والمدير بالمراقبة الذاتية عن بعد، وأن تكون مرتبطة في مركز للتفتيش المركزي. وبذلك نطبق ”الرقمنة“ ونطبقها في نواحي الحياة الأكثر أهمية المتعلقة بالصحة، وذات الصلة المباشرة بالارتقاء بجودة الحياة، وهي على كل حال أصبحت مطلبا بعد تكرار حوادث مروعة تتعلق بالأطعمة من حيث النظافة وسلامة التخزين والتقديم.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى