آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

الواقع غلب التوقع والاحتمال

زكريا أبو سرير

إن خوض أي تجربة جديدة في الحياة لابد وأن تحمل في طياتها نسبة من النجاح ونسبة من الفشل. أو تكون واقعة بين النجاح وبين الفشل، وهذا أمر طبيعي، بل هذا ما يبني عليه العقلاء عند خوض أي تجربة، وقاعدة الاحتمالات هي واحدة من أهم القواعد الرئيسية الذي ينطلق منها أصحابها قبل تبنيهم لأي فكرة أو أي مشروع، لأنها وبكل بساطة هي الوعاء الذي يستحضر فيها كل الأفكار والآراء والدراسات التي تبنى عليها الاستنتاجات والتي تبين مدى نجاح هذه التجربة أو تلك الفكرة أو ذلك المشروع من فشل أو نجاح، وعلى أساسها تضع دراسات النسب الذي تبين شفافية الفكرة لكي يقرر بعدها ماذا بعد.

تجربة إحياء المناسبة العاشورائية في هذا العام الهجري 1442 وفي هذه الأجواء الاحترازية من هذا الفايروس البغيض كورونا كوفيد_19، كانت كأي تجربة يخوضها المجتمع، مبنية على النجاح والفشل، فكانت كذلك محل رهان وتحدي لأنفسنا، لأن فشلها فشلنا جميعا ونجاحها نجاحنا جميعا.

فكان الرهان الرئيسي على نجاحها والمعول عليه هو مدى درجة الوعي الذي يحمله كل فرد من أفراد المجتمع، والرهان الآخر كان على الحقيبة الثقافية والاجتماعية، هذا ما كان يراهن عليه شريحة من المجتمع الذي كانوا يرون إحياء المناسبة في مواقعها الطبيعية الذي اعتاد المجتمع على إحيائها فيها في كل عام، وهي الحسينيات والمساجد.

هذا لا يعني أنه لم تكن هناك لدى هذه الشريحة من المجتمع المتبنية لهذا الرأي نسبة من التوقعات أو الاحتمالات من فشل هذه التجربة من نجاحها، وإلا لا يمكن خوض أي تجربة دون التخطيط لها، وخاصة أنها كانت التجربة الأولى للمجتمع، والتخطيط لابد أن تصحبه قاعدة الاحتمالات.

وحتى بالنسبة إلى الشريحة الأخرى التي كانت ترى نسبة نجاح التجربة حسب احتمالياتهم واستنتاجاتهم ضئيلة جدا، وفيها مجازفة، هم يتمنون ألا تكون توقعاتهم صحيحة، وأنا على ثقة أنهم يرجون من أعماق قلوبهم عدم صدق رؤيتهم وتوقعهم واحتماليتهم واستنتاجهم التي لا تحمد عقباها، لأن كل عاقل لا يرغب أن يكون في بيته قنبلة كورونا أو لغم يمكن أن ينفجر في أي لحظة، واختلاف الرأي في هذه المسألة لا يتوقف على المجتمع الكبير فحسب، بل تصل حتى في البيت الواحد، ولربما حتي بين الزوجين والأبناء، في طريقة الإحياء لهذه الشعيرة المباركة، حيث تنقسم آراؤهم بين هذا الرأي وذاك الرأي، ولكل واحد منهم حرية الاختيار في كيفية الإحياء حسب قناعته وبما يتناسب مع فكره ومعتقده.

من ثم من الطبيعي أن نجاح هذه التجربة الصعبة يصب في مصلحة الجميع لأن الكل في قارب واحد وإن اختلفوا، وما علينا في هذه المسألة وغيرها إلا أن نستوعب خلافاتنا ونضعها في قالب المصلحة العامة، واختلاف الرأي لا يفسد في الود قضية، بل ينبغي إبعاد سوء الظن من بعضنا البعض وأن نكون أكثر موضوعية، لأن نهضة الإمام الحسين ذات الأبعاد العالية والقيم والمبادئ التربوية الرائعة، هي من انبثقت منها تلك المفاهيم الإنسانية الرائعة، ومن أهم تلك المبادئ والقيم الرائعة التي سطرتها لنا هذه الثورة المباركة؛ الأخوة بين المؤمنين والأصحاب وحتى بين الأعداء.

هذا ما تطلعنا عليه السير التاريخية، حول أصحاب الإمام الحسين ، الذين كان كل واحد منهم يؤثر أخوانه على نفسه فيسبقهم للمعركة، وكيف أن الإمام الحسين نفسه أثر على عدوه من خلال تلك القيم والمبادئ التي طبقها على أرض الواقع، عندما سقى وروى عدوه، الذي أتى لقتله وروّع نسائه وأطفاله، وهو الحر بن يزيد الرياحي وجيشه بل وحتى البهيمة التي كانوا يسيرون عليها لقتله، شملها عطفه المبارك، وبذلك استطاع أن يحول العدو إلى صديق، بسبب ترجمته تلك القيم والمبادئ في حياته ولم يتخذها مجرد شعار فارغ المحتوى.

وينبغي علينا أن نستفيد من هذه الخلافات وهذه التجارب وغيرها، لرفع مستوى وعينا وفهمنا، وتجاربنا، ينبغي أن تحفظ وتودع في حساب الخبرات الحياتية، لأجل أن يستفيد منها الأجيال القادمة.

ما شهدته الساحة القطيفية من مستوى في الوعي والإدراك والمسؤولية في مفهوم العودة بحذر، كان محل تقدير من كل أبناء المجتمع والمسؤولين، حيث أثبتت أنها على قدر المسؤولية الذي أتاحتها لهم الجهات المسؤولة لحفظ المجتمع، وكل من شارك في أي مأتم حسيني كان يرى مدى الالتزام بتطبيق الإجراءات الاحترازية وكذلك تطبيق النظام، وهذا ما حث بعض الحسينيات التي بدأت ببث المناسبة فضائيا لتغيير رأيها وتحويل الإحياء على الواقع المباشر إضافة إلى بثه فضائيا.

وبالفعل هاتان التجربتان الرائعتان الفضائية والأرضية أكسبتنا معارف جديدة وجعلتنا نكتشف مواهب مختبئة بين أوساطنا. وبالمناسبة كانت هناك لفتة جميلة ورائعة استمعتها من أحد الخطباء الكرام يقول: إننا اكتشفنا من خلال هذه الأزمة والتجربة أن في قلب كل واحد منا مأتما حسينيا ينبض بدقاته الحسينية يا حسين، حرص الجميع على إحياء المناسبة بالكيفية التي عصف بها ذهنه، المهم أن كل طرف كان حريصا على إحياء المناسبة لا إيقافها، بسبب هذه الجائحة اللعينة.

يبقى الحسين ويبقى ذكره الخالد ويبقى أتباعه المخلصون الأوفياء يحيون ذكره في كل زمان ومكان وتحت أي ظرف كان وهم على قلب رجل واحد ويد واحدة ونفس واحدة وإن اختلفت بينهم الآراء والتوجهات يبقى الحسين يوحدنا ويحيينا. ولكل فرد من أفراد المجتمع شارك في إحياء هذه المناسبة العاشورئية ولو بالدعاء، له كل الشكر والتقدير والاحترام وأثاب الله الجميع وعظم الله أجوركم وأجورنا.