آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:36 م

قلوب نقية‎

ورد عن الإمام الحسين : إن شيعتنا من سلمت قلوبهم من كل غش وغل ودغل» «بحار الأنوار ج 68 ص 156».

أي صناعة للإنسان الكامل في نظر الإمام الحسين والذي يصب فيه الاهتمام على الصراحة والوضوح والشفافية بعيدا عن التمويه والاحتيال، كما أن المشاعر الصادقة مطلب حقيقي يراد فيه الخلوص من شوائب السلبية والسوداوية، إذ أن العلاقات الاجتماعية والمعاملات بمختلف أنواعها والاحتكاكات وبعض الحوارات تولد في النفس شيئا من النفور من المختلف معه.

وأما تصحيح مسيرة المؤمن الحقيقي فيكون بتخلصه من مشاعر الحقد والكراهية لأي إنسان مهما بلغت درجة الاختلاف معه، ومجرد توجيه إساءة جارحة من أحدهم لا ينبغي أن تأجج في القلب الأحاسيس السوداوية تجاهه، وما يعين على سلامة القلب ونقائه هو التركيز على المواقف والأفكار في تصويبها ونقدها بعيدا عن أي شخصنة، فالتعرض للآخرين بسوء إذا جعلناه خطا أحمر لا نتجاوزه ساعدنا ذلك كثيرا على روح التسامح والحفاظ على استقرار علاقاتنا بعيدا عن التشنج والترهل.

في بداية الأمر يضع الإمام حدا فاصلا بين مفهوم المحبة والتشيع للعترة الطاهرة، فالمحبة تنطوي على انجذاب وإكبار لما يجسدونه من قيم وأخلاق عالية، وهذا الود يتحقق في قلب كل منصف عاقل يرجع إلى فطرته السليمة فيرى تلك المفاهيم التربوية الجميلة لها أجلى مصداق وهم العترة الطاهرة، وأما التشيع لهم فيخرج من إطار النظرية إلى المتابعة لهم في القول والسلوك، حيث يكون المتأسى في كل كلمة وخطوة يقدم عليها هو ما يراه في منهجيتهم العبادية والأخلاقية، فلا محركية للهوى والمزاجية والضعف النفسي وإنما هي الثبات والصلابة والتواضع الحسيني الذي خلدها للأجيال المتلاحقة بما يحفظ لهم عزتهم وطموحهم وتألقهم الفضائلي.

الهدف الأسمى الذي يضعه نصب عينيه بكل اهتمام ورعاية هو حفظ القلب «النفس» من كل المتسللين لها من الأوبئة الأخلاقية والسلوكية الملوثة لنقائها وصفائها، كما يحرص تماما كل عاقل رشيد على صحة جسمه من الفيروسات المضعفة لبنيته، فيتفحص ويحاسب نفسه على كل مواقفه ويتبصر مواطن الخلل والاتجاهات السلبية لمشاعره وتعاملاته.

الوباء الأول الذي يشير له الإمام الحسين هو الغش بمفهومه الشامل لكل أبعاده، وهو الاحتيال والخداع في الجانب المالي والاجتماعي والأخلاقي في التعامل مع الآخرين، فغش الطالب في الامتحان لا يختلف أبدا عن احتيال الموظف والتاجر والصديق، فما يخلصنا من هذا الانحراف هو الصدق والصراحة والاتكال على الله تعالى، فمن تلون في مواقفه وخادعهم ونافقهم غش نفسه قبل أن يسقط من أعين الناس ويفقد ثقتهم به في أي تعامل معه.

والوباء الثاني هو الغل أي الكراهية المتمثلة بالمشاعر السلبية تجاه الآخرين بسبب ذاتي منه وهو الغيرة والمزاجية النفسية، أو بسبب حصول سوء فهم ومناكفة مع أحدهم أو إثارة نقاش ساخن تطور إلى خصومة، وكم من العلاقات المقطوعة بين الأرحام والأصدقاء - سابقا - وتحولت إلى كراهيات بسبب مواقف كان يمكنهم تجاوزها بروح التسامح!!

والوباء الثالث الذي يذكره الإمام الحسين هو الدغل أي الأحقاد المستحكمة، والتي تتبع رتبة الكراهيات التي لم يقع لها أي إصلاح، فتحولت إلى غدة سرطانية قاتلة تفتك بالعلاقات وتسلخهم من المسحة الإيمانية، وذلك أن هذه الأحقاد تنطوي على مجموعة من الأمراض كالغيبة والنميمة وبث الشائعات ونشر الفتن وتفكيك عرى العلاقات بين الناس، فالحقود لا يمكنه أن يعيش مرتاحا وهو يرى بذور الحب والاحترام والتعاون بين الناس.

ولا خلاص لنا من هذه الأوبئة سوى بث روح المحبة والاهتمام بصحة القلب أخلاقيا والتعامل بروح التسامح والتغافل عن هفوات الآخرين.