آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 6:01 م

صناعة الكراهية

زكريا أبو سرير

جاك ويلش، صاحب أكبر مكافأة نهاية خدمة في التاريخ بلغت 417 مليون دولار، كان رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة GE سابقا، اختير «مدير القرن»، وخلال قيادته للشركة من عام 1981 - 2001 م، ارتفعت قيمتها بنسبة 4000% في غضون عشرين عاما، وحينما سألوه ما دور القائد؟ أجاب بجملتين تجنبوا الكراهية، واستشعروا السعادة القلبية لنجاحات بعضكم بعضا.

هذا النجاح يذكرنا بالحديث الشريف المروي عن نبينا الاكرم محمد ﷺ: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. من هذا المبدأ تنطلق قاعدة النجاح وعلى هذا الأساس تتحقق السعادة لكل طرف، أي أن النجاح والسعادة قائمان على قاعدتين مهمتين وهما أن يحب الفرد لنظيره ما يحبه لنفسه، وهذه فلسفة النجاح والسعادة الحقيقتان، ونلحظ أن الرواية ربطت هذين المبدئين بأعلى درجة من درجات الإيمان، لكي تبين أهمية تحقيق هدفين مرتبطين بحياة الإنسان، باعتبار أن الإيمان بالله هو أبرز الأهداف النبوية، وأن شعبة الإيمان هي أعلى الشعب الإيمانية بالله، وأهداف رسالة السماء التبشير بالمحبة والتسامح والسلام، وافشاء ذلك بين العباد، وفي المقابل لفظ كل نوع من أنواع الكراهية وما يتولد منها.

وهنا لفتة حياتية مهمة وجميلة ينبغي فهمها واستيعابها ليكون النجاح حليفنا في كل الأمور الحياتية. فالنجاح الشخصي مرتبط بنجاح الآخر، والسعادتك الحقيقية مرتبطة بسعادة الآخر، وبهذا ينتفي مبدأ الأنا الذي يمثل رأس الأنانية الشخصية، ومبعث الكراهية، ذلك إن تحقيق عنصري النجاح والسعادة الجماعية، يسهل علينا تحقيق أهدافنا على كل الصعد.

جاك ويلش، ركز في إدارته الرائعة على تدمير نزعة الكراهية لدى موظفي الشركة واستبداله بهرمون المحبة لبعضهم بعض، ولهذا نجح في تحقيق كل أهدافه وأهداف الشركة وأهداف طاقمها، وبهذا أصبح قائد القرن.

في كتابه ”في الحب بالحب“ ذكر الكاتب بدر الشبيب تحت عنوان زراعة الحب «قبل أن تفكر في الثمرة، فكر في البذرة أولا، ثم في الأرض الصالحة، فالثمرة الطيبة هي نتاج الغرس الطيب، وخلافها خلاف ذلك، واستشهد بقول الله تعالى من سورة الأعراف «والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا».

وهذه الآية الكريمة وهذا المفهوم يؤكد لنا أن الكراهية صناعة تنمو من خلال الاكتساب، وأن الحب فطري ينمو عبر التربية، ونحن من يحرف هذه الفطرة الطاهرة في أنفسنا بالوقوع في فخاخ الشيطان وأتباعه، وبعدها تبدأ رحلة الشيطان في صناعة الكراهية وتدمير النفس باسم الأنا، ومن ثم تدمير الآخر نتيجة الحسد والبغضاء والحقد إلى درجة اغتيال الأخ إلى أخيه، وجُب يوسف أكبر شاهد على صناعة الكراهية التي اعتملت في نفوس أخوته فاستحوذ عليهم الشيطان، في حين حظي أخوهم يوسف بالتربية والمحبة من أبيه يعقوب ونالت رعاية الله، علما بأن الأب واحد والمنهج واحد.

وعلى الرغم من عدم وجود تعريف في القانون الدولي لمفهوم خطاب الكراهية، وما يثيره توصيف ما يمكن اعتباره خطابا مشحونا بالكراهية، إلا إنه يعرف بالحد الأدنى على أنه أي نوع من التواصل الشفهي والكتابي أو السلوكي الذي يهاجم أو يستخدم لغة ازدرائية أو تمييزية بالإشارة إلى شخص أو مجموعة على أساس الهوية أو بعبارة أخرى على أساس الدين أو الانتماء الاثني أو الجنسية أو العرق أو اللون أو الأصل أو نوع الجنس أو أحد العوامل الأخرى المحددة للهوية.

كما أن خطاب الكراهية في حد ذاته يحظره القانون الدولي، كذلك يحظر التحريض العدواني ضد الآخر تحت أي شكل من أشكال الكراهية، فالكراهية بجميع أنواعها ثقافة شيطانية مدمرة للبنية الإنسانية والاجتماعية والدولية، والمرادف له الحب بجميع أنواعه وأشكاله ثقافة سماوية تبني الإنسان والشعوب والمجتمعات.

القارئ الكريم ليس ببعيد عما شاهده ويشاهده من جراء ما احدثته ثقافة الكراهية من دمار شامل على المستوى الاسري والاجتماعي والدولي، وثقافة الكراهية لها من يدعمها ويغذيها وينميها فكرا ومالا، وبشكل منظم وبدرجات عالية من الاحترافية، حيث إن هناك مجموعات منظمة تستربح من هذه الثقافة الشيطانية وتعتبرها القناة الرئيسية التي تبقيهم على منصات التدمير البشري، لهذا ينبغي منا أن نحذر من هذه الثقافة التدميرية، ومن اختراقها أجواءنا الإيمانية والاجتماعية، وهذه الثقافة النتنة والفاسدة قد تخترق أجواءنا الثقافية والدينية والاجتماعية عبر عدة وسائل مختلفة وبراقة ومسميات خادعة، وينبغي لفظها تحت أي عنوان كان أو أي شكل من أشكال الكراهية ضد الآخر.

والمنهج التربوي القرآني يدعونا للحب مع الآخر مهما كان الآخر، حيث كان الخطاب التوجيهي القرآني الإحساني شاملا للناس أجمعين، دون تحديد فئة اجتماعية معينة، حيث قال العزيز الحكيم: «قولوا للناس حسنا»، ما أجمله من خطاب وما أجمل المنابع الكلام الحسن وما ينتج عنه من ألطاف قلبية وروحية مؤثرة في تربية الإنسان وتحويله إلى طاقة إيجابية ومنتجة لنفسة ومجتمعه ووطنه.

زبدة القول: إن بداية استشعارك بالكراهية ضد الآخر، هذا يعني بداية مراحل إنتاجك المصنعي لنزعة الكراهية العفنة، فاحذر الا تكون واحدة من تلك العلب الفاسدة الذي يديرها ويسوقها لك شيطان من نفسك أو يشبهك في الخلق.