آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 3:46 م

أيام بين الغرب والشرق

اتصلت بصديقٍ لم أره ولم أسمع صوته منذ مدة، وصادف أن كان قبل اتصالي قد تعرض لوعكةٍ صحية أرقدته في المستشفى بضعة أيام، ولم أعلم. فجاءت من أجمل المكالمات إذ سمعت صوتًا نابضا بالحياة، وإن أتى من حنجرةٍ مبحوحة. تذكرنا أيامًا وأسماءَ أناسٍ تعود للثمانينات من القرنِ الماضي في سنواتِ الدراسة والعمل، وراودتنا أحاسيسٌ بأننا عدنا سنواتٍ في العمر!

وكما هي العادة، السَّالِفَةُ تجر السَّالِفَة؛ سألني هذا الصديق عن مشاريعي في الحياة، ماذا أعمل وكيف أقضي الوقت؟ وهو لم يعلم بأني تركت العمل الرسمي. قلت له: ”أنا لوظيفتي طبيعتان واسمان في الشرق وفي الغرب كما تراني ويراني الناس“. طبيعة وظيفتي في الشرق أنني أسهر أكبر قدرٍ من الليل، أسمع وأرى ما لا يسر، وأنام حتى غروب الشمس في اليوم التالي، وأقضي الوقت بين الضحكِ والهزل مع أصدقائي في المقاهي والاستراحات والمجالس؛ ورويدًا رويدا تحفزني الايام لكي أحفرَ قبري بيدي وأنتظر الموت. فلذلك يسمونني في بلادِ الشرق ”متقاعد“.

أما في بلادِ الغرب فطبيعة وظيفتي أن أكونَ طالبًا أتعلم درسًا كل يوم، وعاملًا لا يتوقف عن العمل، ويستفيد الناس من خبرتي ومعرفتي بالحياة غير أني كبرت في العمرِ قليلا، وأمتع نفسي وعيالي أكثرَ من ذي قبل، عندما كنت في الوظيفة الرسمية. وحتى الجامعات والمعاهد، ليست حكرا على من هم في عمري، فهي تضم أناسا في الستينات وما بعدها. ولهذا فإن اسم وظيفتي ”مواطن ذو أسبقية في العمر“.

حقا، إن كلَّ مشروع في الحياة يحتاج الى عنوان ولوحة تعريف، فإذا كان العنوانُ خاطئًا؛ فما ظنك بالمشروع؟ وللأمانة بحثت في المعجم عن معنى كلمة ”متقاعد“، فوجدت كل تصريفاتها تبعث على السكونِ السلبي. ثم بحثت عن معنى ”ذو أسبقية في العمر“ فلم أجد فيها من السلبية شيئًا. ولكي لا أكون قاسيا كثيرا ولا أغرق في بحرِ العناوين والثقافات، لا وقت أثمن من الوقت الذي انتظرناه طويلا، وهو حقٌّ لنا بعد عشراتِ السنين. وواجب علينا أن نجعل لحياتنا معنى وأن نتذوق كلَّ يوم فيها، وإن بمذاقٍ مختلف.

”العقل الخامل ورشة للشيطان“؛ نصيحة لم أجد أفضلَ منها، فليس السن عائقا عن العمل أو العلم أو الصحة وفي موائدِ العقلاء ما يكفي، بل هو خمول وضمور العقل ما يمنع...

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
محمد عبدالمحسن
[ الدمام ]: 15 / 9 / 2020م - 11:22 ص
التقاعد لا يعنى بالضرورة إضاعة الوقت، بل يعنى الإنتقال من مرحلة إلى مرحلة، فقد يكون التقاعد مبكراً، وقد يكون التقاعد بقوة النظام.
إستثمار الوقت أمر مطلوب قبل التقاعد وبعده، ولهذا تجد في الشرق والغرب من يستثمر وقته، وقد تجد أيضاً من يهدر الوقت في الغرب والشرق.
ينبغى الإبتعاد عن جلد النفس وتثبيط الهمم، بل ينبغى تحفيز الناس لكل ما هو مفيد..!!..
مستشار أعلى هندسة بترول