آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 4:06 م

المقارنات الفردية

المهندس أمير الصالح *

الكثير من الحكماء وأهل العقل من كل الأديان السماوية والثقافات البشرية ينادون بالقول وضمنا: ”استمتع بما تكسبه بجهودك وتجنب المقارنات الدائمة مع من هم اعلى دخلا ماليا منك؛ لأن عقد المقارنات الدائمة مع ما يملكه الاخرون تجلب التعاسة و‏ تسلب الاحساس بالنعم التي بين يدي الإنسان وتمحي عناصر السعادة من بين جنباته“. تصدر أخبار قيمة عقود لاعبي كرة القدم المحترفين الفلكية للأنباء في العالم، وتصدر اخبار الايرادات المالية الفلكية لفناني العالم وتصدر اصداء نشرات مجلة فوربس لاغنى اغنياء العالم وإعلانات ارباح صفقات بعض رجال الاعمال المحليين تحفز البعض من الناس لعقد مقارنات بين انفسهم وبين اولئك الاكثر دخلا في المجتمع والعالم. وقد تكون بعض تلكم المقارنات غير منطقية وغير عقلائية وغير عادلة لاغفالها لجوانب اساسية عديدة. وفعليا عقد المقارنات الدائمة بحياة واملاك وانجازات الاخرين مثل القول: هذا الشخص عنده سيارة احدث مني أو ابناءه اكثر توفيقا مني او ذاك الشخص حاز شهادات أكثر أو مرتبه الشهري اضعاف مضاعفه عن راتبي، ستصيب البعض من الناس ببعض الملوثات النفسية مثل الحسد او خيبات الامل القاتلة او الاستقطابات الاجتماعية أو الضمور الذاتي أو الانهزام الداخلي أو النفور النفسي.

يعلق البعض على ذاك النداء بان القول بان تجنب عقد المقارنات هو ضد النزعة البشرية وقد يعده البعض من الناس انه نداء شبه اطلاق لمخدر الرضوخ للطبقية المقيتة أو حجب عن المطالبة بالعدالة في توزيع الثروة او انحياز لصالح فاحشي الثراء. وقد يقول آخر، ان ذلك القول هو دعوة العاجز عن ابرام اي انجاز اي دعوة ممن لم يطول قطف العنب فتقمص روح الزهد فيه بالقول انه عنبٌ حامض. وآخر يقول هذا التفاوت الكبير في الدخول المالية هو سبب لعدم الاستقرار الاجتماعي وحتما سيزول او يجب العمل على ازالته. وفي المقابل، يقول البعض لكل مجتهد نصيب وهؤلاء الذين وصلوا قمة الهرم في الاحتراف اجتهدوا فاخذوا نصيبهم. وآخرون لا يرون اي غضاضة في تكدس الثروات في ايدي 1?? أو 5?? من مجموع ابناء وطن ما، لانهم مستفيدين او ينتابهم نصيب من المستفيدين.

دعنا نتعمق قليلا في الموضوع ونسترسل بعض الشي. ماذا ستكون ردة فعلك اذا عرفت ان رئيس شركتك الاعلى يستلم 1000 «الف» مرة ضعف راتبك. البعض قد يُصاب بالاحباط والارتباك النفسي وقد يصل الحال بالبعض من الموظفين في مراودة القرار بالاستقالة من تلكم الشركة للإعراب عن ضيق النفس الذي حل بهم من العلم بالفارق الشاسع جدا في الرواتب بين الموظفين والمدراء. بل ينظر الى نفسه اننه معدم ولن يقتنع بما في يده. وهنا يمضي الزمن وهو في حالة يخط دائم على واقعه وفي ذات الوقت لا يستمتع بما استطاع ان يحرزه. جملة اعتراضية: لك ان تتخيل ردود الافعال لو أن الشفافية في بلد ما وصلت لدرجة كبيرة بحيث يكون متاحا لاي طرف من ابناء المجتمع ان يتمكن في معرفة الدخل المالي لاي شخص من ابناء وطنه!

على فرضية ان الانسان جُبل على عقد المقارنة مع المحيطين به، فلا باس ان ننوه بان المقارنات لها اتجاهين: مقارنة في اتجاه الاعلى ومقارنة في الاتجاه الادنى. وأن كان ولا بُد من عقد مقارنات فلا بأس بالتوظيف الايجابي لها بعد عقلنة عناصر المقارنة ووضعها في الاطار والحدود المعقولة. فمن الحكمة عند عقد مقارنات على المستوى الاجتماعي او المالي مع من هم الاعلى دخلا ماليا أو وجاهة اجتماعية upward social comparison ان نوظف تلكم المقارنة بهدف استجلاب التحفيز الذاتي للمزيد من العمل والمثابرة والجد للإرتقاء نحو القمة في الهرم الوظيفي او التجاري او الصناعي والمبادرة في البذل بسخاء لاستحصال المكانة المرموقة اجتماعيا من خلال استكشاف نقاط القوة ومعالجة نقاط الضعف inspiring and motivation. ومن الجيد ايضا عند عقد مقارنات مع الادنى دخلا او وجاهة downward social comparison نستزرع روح الحمد والرضا والقناعة وليس استنبات روح الكسل او التفاخر او الركون الى ما تم استحصاله.

الافراط في المقارنة مع منهم اعلى دخلا مسبب للاستقطاب الداخلي وانخفاض معدل الولاء للانتماء الاجتماعي، ويزيد البون في نفس الشخص العاقد للمقارنة مع الايام، لا سيما اذا اضمحلت العدالة الاجتماعية وانطمست مستويات تكافؤ الفرص وتجذرت مستويات المقارنة السلبية بافراط مشين.

يورد مؤلف كتاب «السلم المكسور / Broken ladder» مجموعة تحاليل نفسية لاحداث واقعية تسلط الضوء على ملفات المقارنات الاجتماعية مع منهم اعلى دخل مالي من عدة جوانب. وهناك جملة كتب تساعد الإنسان في تجنب مشاعر سلبية جمة اوردها ”الانسان المقهور“ للكاتب حجازي. وختاما، بعد بذل الجهود وتوظيف المهارات المكتسبة والسعي الجاد في صقل الخبرات لخلق واقع افضل من كل شخص لصالح نفسه، ادعو لتقليل او تفادي المقارنات مع حياة الاخرين وتبني مقولة ”القناعة كنز لا يفنى“. وفي ذات الوقت ادعو لأن يكون واقع كل منا: " اعمل جاهدا ودائما لأن يكون يومي افضل من امسي وغدي افضل من يومي ".