آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 2:22 م

رسالة من متقاعد لابنائه

المهندس أمير الصالح *

دون مقدمات مطولة وديباجات خطابية مستفيضة، وقوائم نصائح مكررة ومملة

، أحبائي أبنائي / حبيبتي ابنتي أود أن أهمس في آذانكم بأمور عدة وأُمهد لذلك بالقول:

- شخصياً لم أولد وفي فمي ملعقة من ذهب ولاحتى حتى من خشب، ولقد حققت لكم من العيش الكريم ما تمكنت أن أصنعه لنفسي ولكم بتوفيق من الله العلي القدير ثم بجهود ذاتية عصامية دون منة من أحد ولا تفضل إلا من الله الواحد الأحد. وأرجو أن تسعون متعاضدين ومتناصحين ببذل الجهود وتركيز الطاقات ونقل المعلومات فيما بينكم لخلق مستقبل أفضل لأنفسكم ولمن تعولونهم في المستقبل.

- الآباء بالإجماع يعلمون أبناءهم ما نجحوا في إنجازه ويرشدونهم في تجنب ما قد وقعوا فيه من فخاخ وخسائر أو قد سمعوا عنها من قصص واقعيه في محيطهم الاجتماعي. بالمجمل: الآباء غير السعداء لن يستطيعوا أن يعلموا أبناءهم السعادة، والآباء المعدمين في الغالب لن يستطيعوا أن يعلموا أولادهم طريق الثراء. الأبناء الأذكياء يمكنهم أن ينجزوا أفضل من إنجازات الآباء بفضل العمل المثابر وجهودهم المستمرة والاستلهام من قصص الناجحين وحسن توظيف القراءات البناءة. من الأبناء من يمتلك عقلية: أنا ناجح، وهناك منهم من يمتلك عقلية: أريد النجاح. فأي من الصنفين أنتم؟.

لكل والدين صروف دهر واختلاف ظروف حياتية مختلفة، إلا أنه ما أود أن أهمس به هنا هو التالي:

- اصنع نفسك وكن عصامياً ونموذج يحتذى به، وتعلم كيف تبني ذاتك وإجادة تسويق مهاراتك لتكسب قوتك. تذكر: مهارة الاتصال التي عند أبيك تضل عنده وهي ملكة ومهارة كتابة التقارير التي يمتلكها أخوك هي في يده وليست في يدك. فأين مهارتك؟ ولا تكن كالأصلع الذي يتغنى بشعر ابنته أخته!

- مستقبلك بيدك وليس بيد والديك، وإنما واجب الوالدين المساعدة في توجيهك للأفضل،

وأخلاقيا عليك ألا تهدر ما ضحوا به من أجلك لإنجاز تجاربك غير المحدودة في التجارة والتعليم والسكن … إلخ..

- معظم محاور الحياة العصرية مبنية على الصحة والسعادة والكرامة المالية wealth، Health and Happiness. فلا تكن مهرجاً ولا تكن قنطرة ولا تكن ألعوبة في أيدي الآخرين بل اعمل بكل جهدك لنيل استقلالك في الكرامة النفسية والمالية والاجتماعية والفكرية. الصحة أعني بها أنه يمكنك الاستمتاع بكامل قدراتك العقلية والبدنية دون العون من الآخرين. والكرامة المالية أعني بها القدرة المالية على تلبية وتسديد كامل احتياجاتك واحتياجات من يتعلقون بذمتك المالية، ولا أقصد حسابات وأرصدة مليونية في البنوك. والسعادة أعني بها العيش دون منغصات أو تجنبها بذكاء، والعيش بمفاهيم الرضا الداخلي وزرع روح العطاء للآخرين واستذواق النعم حتى الصغير منها، ولا أقصد امتلاك المزيد من الماديات والفلل والسيارات والمزارع والكثير من السفر.

- لقد بذل آباؤنا مشكورين الجهد في غرس روح الانضباط وضرورة النجاح في التعليم المدرسي فينا لضمان حصولنا على وظيفة في شركة أو دائرة مرموقة براتب مجز ومستقر، وذاك المفهوم هو ما كان ملائم لزمانهم ومايزال حسب وجهة نظر الكثيرين من الناس. فالوالدين، جزاهم الله عنا أفضل الجزاء وأطال في عمر الأحياء ورحم الراحلين منهم، أرادوا لنا حياة آمنة وبعيدة عن المخاطر وتقلبات الزمان، فكانت فلسفتهم مبنية على تقليل المخاطر بدل زيادة النتائج minimize risk instead of maximize result.

- ادفع نفسك بنفسك ولا تكن إمعه مع من لا تملك عليه مشورة أو نصيحة. فالإنسان الإمعة يعيش في انحسار دائم وتتآكل قيمته بتآكل قيمة من يتبعه وإن طال الزمن. وتذكر أن جزء كبير من الحياة الناجحة يتضمن إتقان الإنسان مهارات معينة وإدارة استراتيجيات مختلفة يبنيها الإنسان بنفسه وقناعاته وتجاربه ليحظى باستقلاله وهيبة مكانته.

- انتخب القدوات الإنسانية التي تتمنى أن تعيش مستوياتهم، وادرس وسائلهم التي تمكنوا من خلالها لبلوغ ذاك المستوى المعيشي المحترم مع مراعاة كاملة للمبادئ والقيم وحاول محاكاتهم في العمل والقراءة والجهد وتطوير المهارات وإدارة الوقت وفنون صناعة القرار وعمل توازن عادل بين ضغط العمل والحياة والابتعاد عن ملاحقة الشفق أو الظل.

- الدنيا مليئة بالعقبات والتحديات، وللوصول للمبتغى والأهداف لابد من بذل الجهود وعدم الإحباط وزيادة جرعات الانضباط. عدم وجود مهارة محددة لديك يستدعي منك الاستعانة بالأمناء ممن يملكونها والانطلاق معهم حتى تحلق بذاتك.

- تحصين النفس من المتلاعبين بالعقول

والمزيفين للحقائق وأصحاب المراوغات اللسانية، وخلق كفاءة ذاتية في فنون الإقناع والنقد الموضوعي والتواصل الفعال.

- الأحلام السعيدة تضل أحلاما، ً ولكي نعيشها لا بد من بذل الجهود والمواظبة والإصرار والعمل الدؤوب في تحقيق جزء منها أو كلها. أصحاب الهمة الضعيفة يعيشون على الهامش وعلى قارعة الطريق دون بلوغ المرام ولو كثر كلامهم وارتفع صوتهم وقرعوا طبولهم.

- النجاح في الحياة ووصول الكرامة له خرائط مبنية على أسس بذل الجهود المتواصلة والاستبسال وروح الإصرار، وليس بمشاهدة التلفاز / التصفح المفرط بالنت وكثرة تبادل رسائل الوسائط الاجتماعية لساعات مطولة أو الجلوس على الأريكة متمدداً دون الاكتراث بالمستقبل والحاضر. شخصياً أتشبث بمقولة الحديث النبوي الشريف: «اغتنموا خمساً قبل خمس.. وصحتك قبل سقمك وفراغك قبل شغلك..». فاستثمروا فراغكم فيما ينفعكم وليس في قتل أوقاتكم. عمل توازن بين الحاضر والمستقبل أمر ملح فهمه وممارسته.

- الحقيقة الساطعة هي أنك تكبر عمراً ويجب أن تكبر عقلاً وتصرفاً واعتماداً على ذاتك. فلا ترمي اللوم والعتب على الآخرين للتهرب من المسؤولية، وكن صادقاً مع نفسك دائماً واسألها: ما هي مسؤولياتي أنا؟ ثم اشترك في صنع حلول وواقع أفضل. سيأتي يوم ما ولن تجد الأبوين الذين غمرا حياتك بكل العطاء واستماتا من أجل حمايتك، وعليك مواجهة العالم بنفسك؛ فكن ذو عود قوي.

- بشكل عام الناس يعاملونك بالطريقة التي تعامل بها نفسك. احترامك لذاتك يفرض احترام الناس لك، واحترامك لأهلك ينعكس في طريقة احترام الناس لأهلك ولو أمامك المتنمرون والمشاغبون

والفضوليون يلعبون ويسخرون ويهزأون ويستهدفون الناس من قليلي الكرامة لأنفسهم «low dignity» أو الذين لا يمتلكون التحكم بزمام رغباتهم ويذهبون لمواقع الشبهات ويتسكعون في أماكن السفهاء ويصاحبون أهل البذاءة ويجالسون موائد المغرورين.

- العمل المجد والمتواصل من ذاتك يثمر أكثر من حدة الذكاء المربوط بالتسويف أو الجهد القليل. وتذكر قرارتك وتحركك تحدد حياتك وواقعك المنشود الذي تصنعه بنفسك باستنهاض همتك وليس بالاكتفاء بقراءة قصص الناجحين.

- المال كان ومايزال يُصرف لسد الحاجات الرئيسة أولاً «الأكل والشرب والمبيت» وهكذا تعلمنا من الآباء. وما فاض من المال يقسم بين التوسعة في النفقة والادخار والاستثمار. والحياة العصرية تتطلب المال لحل مشاكل عدة منها مايمكن معالجته بالمال، ومنها مالا يمكن معالجته بالمال. هنا دون أية منة أو كثير إطراء، تذكر أن ما وصلت إليه من سعادة واستقرار ووجاهة قد تم بجهود من والديك فكن نعم المعين لمن يأتون إلى الدنيا بسببك وخطط لمالك جيداً.

- لا تجعل الآخرين يصيغون لك معان المتعة pleasure والسعادة happiness. أنت الأعلم بما يسعدك ويجعلك في راحة بال. فلو قال أحد الناس لك ”فاتك نصف عمرك”لعدم حضورك هذا أو ذاك النشاط، فاعمل على ألا يورث ذلك في قلبك الندم لعدم حضور ما فاتك طالما أن ما كان يشغلك أفضل منه.

نعلم بأن تعداد سكان العالم في ازدياد مستمر، والتجارة العالمية في توسع وتمدد، وأسواق العمل عبر الدول

والقارات في تداخل مستمر، ومن لم يرسم طريق خارطة النجاح وينتقي، ويسمع وينفذ الكلام المفيد فهذا خياره وهو من يجني ثماره، ولو بعد حين. ختاماً، قد تطول قائمة خلاصة التجارب في الحياة، في العمل، في التجارة، في السفر، في فن التواصل، في إدارة المواقف، في إدارة المال، في إدارة العلاقات. إلخ، إلا أنه ما لا يدرك كله لا يترك جله.