آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 11:32 ص

الحياة... بلا ”بيت راحة“!

أثير السادة *

يعرف الذين يعلقون في زحام الشوارع ما معنى أن يصلك نداء الطبيعة وأنت في منتصف الطريق، معنى أن تحتال على مشاعرك، وتطير بتفكيرك بعيدا عن هذا النداء، هناك من ينتقل من مزاج لآخر، حتى يكاد ينفجر من الغضب، ويشتم كل الذي يمرون أمامه من ألم الانتظار، ففي المدن التي جمعت كل شيء إلى جوفها لم تجد مكانا يليق بالرد على هذا النداء، وطرد كل هذا القلق الناجم من الخيالات المتكاثرة في وسط الزحام.

كانت الحمامات العمومية قضية شائكة قبل كورونا، لندرتها، ورداءة المتاح منها، وهي الآن قضية أكثر تعقيدا، لأنه ببساطة يتمدد على بابها الكثير من المخاوف التي جلبتها الجائحة، يطمع كل واحد من الناس أن يتفادى هذه اللحظة التي يباغته الشعور فيها بالحاجة لتلبية نداء الطبيعة وهو خارج البيت، يرتب موعد خروجه وعودته ليتناسب مع هذا الفاصل الزمني المهم، لأنه بغير ذلك سيفتح بابا للمتاعب النفسية ساعة يبحث عن مخرج لورطته تلك.

لا أعرف اليوم ماهي بروتوكولات الحمامات العمومية، هذا إن وجدت، لكني أعلم بأن الحياة برمتها عادة لسابق عهدها، مع مجازات الحذر طبعا، وهذه العودة تستوجب إعادة النظر في موقع دار الخلاء ضمن الفضاء العام، في الأسواق، والمتنزهات، والمطاعم، والمحطات، وغيرها من الأماكن التي يقصدها الناس، ويعمل فيها عدد ليس بالقليل من الموظفين.. الخوف من المرض لا ينبغي أن يلغي هذه المرافق بل أن يعزز في المقابل الجوانب الصحية فيها، ويرفع من مستوى النظافة والاهتمام بصيانتها، فلا يمكن أن نتخيل الحداثة وهي تطال كل شيء في هذه الحياة إلا“بيت الراحة”!.

ما شاهدته اليوم يحكي عن التجاهل لقيمة هذه المرافق في حياتنا، أن تقف عند واحدة من كبائن بيع العصائر المشهورة بانتظار طلبك، لتجد العامل وقد خرج في استجابة لنداء الطبيعة، لكن في الهواء الطلق!، لأن المحطة التي يعمل بها لا مكان فيها لما يرد به على هذا النداء!، هنالك لا تملك إلا أن تدعس دواسة البنزين دعساً وتفر من المكان فخيالات أبليس ستبدأ بالتكاثر.. وما إن تصل إلى الوجهة الأخرى، حتى تجد مواطنا خمسينيا يتوسل عامل مطعم ليستخدم دورة المياة فيه، ريثما يفتتح السوبرماركت المجاور، فيرده البائع، وتأخذك الظنون، فتتخيل لو أنه من المصابين بمرض السكري، ممن يترددون كثيرا على دار الخلاء، تنظر له مجددا وهو يسأل العابرين عن حمامات قريبة، قبل أن يخرج عامل المطعم مرة أخرى ويشرح له قصة طويلة قبل أن يناوله المفتاح للدخول!.

الحمامات بالمختصر تبدو ملفا مهملا على مستوى إدارة المرافق العامة، والمحال التجارية، الكثير يبذل في تزويق وتزيين هذه الأماكن والقليل الذي تناله دور الخلاء فيها، وكأن ذلك ضرب من ضروب الترف لا أكثر، بينما هو ضرورة من الضرورات، بل عنوان من عناوين التحضر، فهو“بيت الراحة”، وإذا ما غاب، لن تجد للراحة طريقاً في طريقك!.