آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 2:36 م

صلابة الموقف

محمد أحمد التاروتي *

الايمان الكامل، والقدرة على المواجهة، والتعامل بحكمة، عناصر اساسية في التغلب على جميع الضغوط الاجتماعية، وكذلك مواصلة التمسك بالموقف حتى النفس الاخير، خصوصا وان عملية التغيير تتطلب امكانيات وقدرات استثنائية، للوصول الى الهدف المنشود، نظرا لوجود الكثير من العراقيل، والمزيد من الافخاخ، التي تنصب في الطريق، مما يستدعي امتلاك الارادة الصلبة للتغلب على تلك المصاعب، لاسيما وان المواجهة ستتخذ الكثير من الاساليب والمزيد من الطرق، فتارة تكون بواسطة الترغيب، ومحاولة الاستمالة، للتخلص من ”صداع الرأس“، واسكات الصوت بشكل نهائي، وتارة اخرى عن طريق الترهيب وممارسة شتى انواع الضغوط، سواء بالشكل المباشر عبر الاستهداف الشخصي، او بطريقة غير مباشر، من خلال التأثير على الاطراف المساندة، او قطع مختلف اشكال الدعم المالي والمعنوي.

الايمان الكامل عنصر أساسي، في مواجهة الضغوط الاجتماعية، لاسيما وان تضارب المصالح والخشية من فقدان النفوذ الشخصي، يدفع بعض الشرائح لرفع راية المعارضة منذ اللحظات الاولى، من خلال اطلاق الكثير من الشائعات، ومحاولة رسم صورة مشوهه، لدى الرأي العام الاجتماعي، بهدف ايجاد فجوة كبيرة في عملية التواصل والتأثير المباشر، ﴿كَذَ?لِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ، نظرا لعدم القدرة على المواجهة المباشرة، والقدرة على اسقاط المشروع الاصلاحي، الامر الذي يتمثل في عملية الاستهداف الشخصي بالدرجة الاولى، لاسيما وان المخاطر المترتبة على نجاح المشروع الإصلاحي، لا تقتصر على مناحي محددة، حيث تحدث انقلابا شاملا في المفاهيم الاجتماعية، نتيجة التحولات الثقافية المرتبطة بالمشروع الاصلاحي الشامل.

بالاضافة، فان القدرة على المواجهة، وعدم التردد في نشر المفاهيم الاصلاحي، يمثل خطورة كبرى، وتصيب الاطراف الأخرى، بحالة من الارتباك والذهول، الامر الذي يدفع لانتهاج سياسة ”التصفية“ المعنوية والمادية، حيث تبدأ عملية التصفية المعنوية عبر الطرق المختلفة، من خلال التأثير على الاطراف المؤثرة والمحيطة، باصحاب المشاريع الاصلاحية، باعتبارها الخطوة الاولى والاساسية للتعرف على الخصوم، ومدى قدرتها على المواجهة المباشرة، فيما تأتي الخطوة الثانية والمتمثلة في التخطيط للاستهداف الشخصي، من خلال الاقدام على خطوات جرئية كنوع من الردع، وادخال الخوف في النفوس، خصوصا وان عملية التصفية الجسدية ليست هدفا، وانما تستخدم كوسيلة للوصول الى الاهداف، فاذا استطاعت اساليب الترهيب تحقيق اغراضها، فان التصفية ليست واردة في الحسبان، باعتبارها ”اخر الدواء الكي“، ﴿قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ «*» وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ.

امتلاك الحكمة في التعامل مع ردود الافعال، تحدث اثرا كبيرا في التأثير والاستحواذ على البيئة الاجتماعية، لاسيما وان القدرة على ضبط الاعصاب، ومحاولة امتصاص الاعمال العدائية، والعمل على تحويل ”العدو الى صديق“، احدى العوامل الاساسية في تسخير البيئة الاجتماعية باتجاه المشروع الاصلاحي، ”إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، فسعوهم بطلاقة الوجه وحسن اللقاء“، ”إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم“، بمعنى اخر، فان التحرك الحكيم يستدعي احتساب الخطوات بدقة متناهية، لاسيما وان الاطراف الاخرى ترصد كل خطوة بهدف توظيفها في الاتجاه المعاكس، مما يتطلب وضع الاطراف المناوئة في الاعتبار بمختلف التحركات، باعتبارها احدى العناصر الاساسية لتكريس المشروع الاصلاحي في الوجدان الاجتماعي، لاسيما وان غياب الحكمة يولد الكثير من المشاكل، ويسهم في تخريب المشروع بشكل كامل، نتيجة الاقدام على ممارسات لا تخدم المشروع الإصلاحي، وتسهم في نسفه بشكل نهائي، الامر الذي يوفر الفرصة السانحة للاطراف المنافسة، لاعادة ترتيب اوراقها، من اجل امتلاك الساحة مجددا، مما يقود الى الفشل الذريع، وعدم القدرة على احداث اختراقات ثقافية في الوسط الاجتماعي.

صلابة الموقف لا تمت بصلة ”للعناد“ على الاطلاق، فالبقاء على الموقف يختلف تماما عن ”عنزة لو طارت“، لاسيما وان الموقف الثابت ينبع من مرتكزات، ومفاهيم اخلاقية وانسانية، بحيث يتم ترجمتها على اشكال مختلفة، وتعاملات حياتية، من اجل احداث تحولات حقيقية، في الفكر الجمعي الاجتماعي.

كاتب صحفي