آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:36 م

عالم مختلف

علي حسن الفردان

منذ بدأ انتشار فيروس كورونا المستجد من الصين إلى الدول المجاورة لها وصار يزداد في الانتشار حتى انتشر في أغلب دول العالم وعانت الكثير من البلدان بل ولا زالت تعاني في جراء هذه الجائحة. فنرى كل يوم ازدياد في أعداد المصابين وكذلك في أعداد الوفيات لا سيما في كثير من دول أوروبا مثل إيطاليا واسبانيا وكذلك في الولايات المتحدة الأمريكية مما أدى لانهيار الأنظمة الصحية.

ولكن لا بد لهذا الوباء أن ينتهي ونرجو أن يكون ذلك في أقرب وقت ممكن. ولكن السؤال هو كيف سيبدو العالم بعد كورونا المستجد؟

كما أن هنالك أحداث جرت في التاريخ غيرت العالم بشكل كبير فالكثير يقول كذلك أن فيروس كورونا سيغير العالم فعالم ما قبل كورونا ليس كما بعده كما يذكر الكثير من الباحثين. فالتغير لن يقتصر على أنظمتنا الصحية فحسب وإنما يشمل أيضًا اقتصادنا وسياستنا وثقافتنا. يجب علينا أن نتصرف بسرعةٍ وبطريقةٍ حاسمة. يجب أن نأخذ بعين الاعتبار العواقب طويلة المدى لأعمالنا. وعند الاختيار بين البدائل، يجب أن نسأل أنفسنا ليس فقط عن كيفية التغلب على التهديد المباشر، وإنما أيضًا عن نوعية العالم الذي سنعيشه بعد مرور العاصفة. نعم، ستمر العاصفة، ستبقى البشرية على قيد الحياة، سيظل معظمنا على قيد الحياة لكننا سنعيش في عالمٍ مختلف. لأن الأحداث التي تمر بالعالم تحمل وراءها نظاما عالميا جديد.

الجانب الاقتصادي:

والذي يعد العصب النابض للدول ومن أكثر الجوانب تضررا بسبب الجائحة فقد تشهد السياسات الاقتصادية في دول العالم تغيرا لعلاج هذه الضربة للاقتصاد العالمي فقد شهدت كافة المجالات خسارات بمليارات الدولارات وتحتاج إلى سنوات للتعافي من هذه الأزمة. فعلى سبيل المثال قطاع الطيران شهد خسائر كبيرة جدا ويعد من أكثر القطاعات تضررا من اجراءات الإغلاق. فعلى أقل تقدير يحتاج إلى أربع سنوات ليعود لطبيعته.

كذلك شهدنا تطورا في استخدام التكنولوجيا أو تسريعا في استخدامها فبعض الأمور كانت من الممكن أن تبدأ بعد سنوات لكن كوفيد 19 سرع هذه العملية. مثل استخدام التعاملات الإلكترونية، التعليم عن بعد وغيرها الكثير وفي السنوات القادمة سيكون هناك تطورات أكثر مثل استخدام الروبوتات واستخداما أوسع للذكاء الاصطناعي. فسوف يكون الاقتصاد معتمدا على الجانب التقني في أغلب دول العالم وبالأخص الاقتصادات الكبرى التي تؤسس مستقبل الاقتصاد الرقمي، وهذا الذي تعمل عليه المملكة وهو أحد أهم روافد الإصلاحات الاقتصادية في رؤية 2030 التي تأسس اقتصادا جديدا بتعدد الموارد لعصر ما بعد النفط.

الجانب السياسي:

الكثير من الأحداث في التاريخ حملت وراءها تغيرا في النظام العالمي وصراعات لتحقيق السيطرة والقيادة في العالم، أو إعادة توزيع القوى وقد تحمل ولادة نظام عالمي جديد يحمل قوى جديدة وسياسات واستراتيجيات كبرى لتحقيق هذه السياسات يحمل طيات هذا النظام تغيرا في كافة جوانب العالم ليس في السياسة والعلاقات الدولية فحسب، بل تغيرا في البحث العلمي والتقدم التقني.

ولو رجعنا في التاريخ لرأينا الكثير من هذه الأحداث التي أسست نظاما دوليا جديدا، على سبيل المثال تعد الحرب العالمية الثانية أبرز مثال على هذا فكانت صراعا بين النازية من جهة، والحلفاء من جهة أخرى، وانتهت ببزوغ صراع جديد من نوع آخر هذا الصراع ما أسموه الحرب الباردة بين قوتين خرجت منتصرتين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة لإحكام السيطرة على العالم. من خلال عدة جوانب مثل الجانب الإيديولوجي والعلمي وغيره الكثير. وانتهى هذا الصراع مع نهايات القرن العشرين حاملا نظاما جديدا بعد سقوط القوة الشيوعية وانتصار الرأسمالية الغربية.

ومنذ ذلك تدعوا بعض الدول لإعادة هيكلة النظام العالمي، وبدأ العالم يشهد بزوغ قوى جديدة يتوقع لها أن تكون صاحبة نفوذ وسيطرة ليست إقليمية فحسب بل دولية. فمع ظهور فيروس كورونا بدأت الكثير من الدراسات والأبحاث في المراكز المتخصصة في الشؤون الدولية، تتساءل هل كورونا يغير النظام العالمي ويخلق وراءه نظاما مختلفا اختلافا كبير عن هذا النظام الذي نعيشه؟

الجانب الاجتماعي:

لقد حلت غيمة هذا الوباء كالصدمة الكهربائية على العالم أجمع. فمع بديات الحجر الصحي، شعر الكثير من الناس بالعزلة الاجتماعية وهذا سلوك طبيعي يتولد عند الإنسان، فهو كائن مجتمعي بطبيعته يختلط ويتواصل ويبني العلاقات مع أفراد المجتمع. فلقد كرًس فيروس كورونا مفاهيم جديدة مثل: التباعد الاجتماعي، عدم المصافحة وغيرها من العادات المجتمعية المختلفة باختلاف الثقافات البشرية. مما لاقى زيادة في استخدام التواصل الإلكتروني بدلا من ذلك.

الجانب التقني:

جاء كورونا وزاد استخدام العالم للتقنية الحديثة وتسريعها فنحن نعيش عصر المعرفة، عصر المعلومات والتطور السريع وكورونا كانت محفزا في اعتماد أكثر على التقنية فنحن نعيش في عصر ما يسمى الثورة الصناعية الثالثة ويتوقع الكثيرون من العلماء أننا قد نشهد ثورة صناعية رابعة تكون للتقنية دور محوري في حياتنا. فيصبح كل شيء معتمدا على التكنولوجيا. فهل كورونا تكون عاملا مساعدا لذلك؟

الجانب الصحي:

لا ننسى أن أزمة كورونا أزمة صحية أساسا فيتوقع الكثيرون أنه سوف يكون هناك اهتماما كبيرا بالمجال الصحي حتى بعد زوال الجائحة وتطويرا للدراسات الصحية مثل علوم: الطب، الصيدلة، الأحياء، وعلم الفيروسات. لمكافحة ومنع حدوث وانتقال الأمراض المعدية التي قد تسبب أضرارا كثيرة في المستقبل.

ولا ننسى كيفية تعامل وطننا المملكة العربية السعودية في التعامل مع هذه الأزمة تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده «حفظهم الله». فجعلوا من سلامة المواطن والمقيم أولوية قصوى. وتم اتخاذ كافة الاجراءات الصحية الاحترازية مما أدى لعدم انهيار النظام الصحي. ولم يقتصر الأمر على ذلك بل عملت المملكة على إدارة الأزمة من كافة النواحي: اقتصاديا وفي، التعليم، وجانب الخدمات وغيرها الكثير للمحاولة من تخفيف تداعيات الأزمة العالمية. فالمملكة العربية السعودية ضربت مثالا عالميا في إدارة الأزمات، فهذا قليل من ما صنعته المملكة ولا زالت تصنعه.

فيجب علينا شكر هذه الجهود الجبارة التي أشاد بها الجميع.. شكرا على نعمة هذا الوطن.

في النهاية قد يتساءل الكثير هل من الممكن فيروس صغير لا يرى بالعين أن يغير العالم كله؟