آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:36 م

حرية التعبير

محمد أحمد التاروتي *

ابداء وجهة النظر امر مطلوب لاكتشاف القناعات الذاتية، وكذلك كونها وسيلة لاظهار الاختلاف تجاه الآراء المطروحة ”تكلموا تعرفوا فان المرء مخبو تحت لسانه“، وبالتالي فان السكوت يحرم البيئة الاجتماعية من النضوج الفكري، ويحول دون التكامل البشري، فيما يتعلق بالكثير من القضايا المثارة، حيث يدخل السكوت وعدم ابداء الرأي في باب ”الاجرام“، وحرمان المجتمع من رؤية الجادة الصائبة، الامر الذي يقود الى اكتشاف الكثير من الأمور الخافية ”الساكت عن الحق شيطان اخرس“.

اتباع الطريقة المثالية لابداء وجهة النظر عملية أساسية، في وصولها الى الطرف المقابل، خصوصا وان ادب الاختلاف يفرض على الخصوم التحلي بالاخلاقيات، بهدف تكريس مبادئ الاحترام المتبادل، مما يحفظ كرامة جميع الأطراف، ويفرض قواعد صارمة في طريقة الحوار، واسلوب النقاش الهادئ والهادف في الوقت نفسه، لاسيما وان البعض يحاول فرض ارائه على الاخرين، بواسطة ”القهر“ والاجبار، مما يدفع الطرف المقابل للعناد وابداء المقاومة الشديدة، خصوصا وان الاقناع يتطلب انتهاج الوسائل الهادئة، والابتعاد عن القسر والاجبار ”قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى? كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ? فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ“.

الايمان الكامل باحقية ابداء الرأي، واتاحة المجال امام حرية التعبير، عملية أساسية في الارتقاء بالمستوى الفكري والثقافي في المجتمعات البشرية، خصوصا وان الساحة المفتوحة قابلة للتطور والتجدد على الدوام، نظرا لوجود عقول قادرة على التحرر من القيود الاجتماعية، مما يجعلها اكثر انفتاحا في تحريك المياه الراكدة، بحيث تنعكس على الحركة الفكرية في الساحة الاجتماعية، بمعنى اخر، فان محاولة وضع الجميع في زاوية حادة، يعرقل عملية التكامل البشري، ويقطع الطريق امام المحاولات الجادة لاثارة ”دفائن العقول“، بحيث تسيطر النظرة الواحدة والتوجه الواحد على المجتمع، بحيث يترك اثرا سلبيا على الحركة التنموية الاجتماعية، ويعطل المشاريع التطويرية الساعية، لاخراج المجتمع من حالة الركود، الى ساحة التفاعل الكامل مع الآراء المتبادلة، والقضاء على النظرة السلبية، تجاه الكثير من القضايا الفكرية، بحيث تظهر على اشكال مختلفة لدى كافة الشرائح الاجتماعية.

ضمان حرية التعبير عملية أساسية في النهوض الاجتماعي، ووسيلة قادرة على احداث فروقات حقيقية، في المجتمعات البشرية، حيث يلاحظ في طريقة الطرح الفكري ومستوى التفكير السائد، فالمجتمعات المقهورة غير قادرة على الخروج عن الاطار المرسوم، بخلاف المجتمعات ”المنفتحة“ فانها اكثر قدرة على ابداء الآراء، والانفتاح على الاخر، نظرا لامتلاكها قناعات راسخة، الامر الذي ينعكس على امتلاكها مساحة واسعة، لاستيعاب الآراء الأخرى، فيما المجتمعات المحرومة ليست في وارد قبول الآراء المعارضة، وبالتالي فان الانفتاح الفكري يشكل مدخل أساسي، لتحريك القناعات الاجتماعية، تجاه مختلف الآراء المطروحة، لاسيما وان الرأي الواحد ليس قادرا على احداث الأثر الكبير، في عملية النهوض الشامل، فالعملية بحاجة الى الاختلاف، ومحاولة رؤية الأمور من زوايا مختلفة، بهدف الوصول الى رؤية موحدة قادرة على معالجة القضايا الثقافية بطرق متعددة.

الشروع في تكريس حرية التعبير عامل أساسي، في تهيئة المجتمع لتقبل الاخر، بيد ان العملية بحاجة الى وضع ضوابط واطر خاصة، فالفوضى ليست مقبولة على الاطلاق، باعتبارها معول هدم للكثير من الاخلاقيات، مما يستدعي الارتكاز على قواعد راسخة، لوضع النقاط على الحروف، وبالتالي فان حرية التعبير لا تخول الجميع، للدخول في المناطق المحرمة، والتعدي على الاعتقادات، او محاولة كسر القواعد الأخلاقية، فهذه الممارسات تدخل في باب امتهان الكرامة البشرية، وطريقة لممارسة حرية التعبير بطريقة خاطئة، الامر الذي يتطلب إعادة المسار الى الجادة الصائبة مجددا، تفاديا للانزلاق الى المجهول، والدخول في الاحتراب الداخلي، خصوصا وان خروج ”حرية التعبير“ عن الطريق المرسوم، يضع الجميع في المواجهة المباشرة.

المحافظة على الخليط الرفيع الفاصل، بين ضمان حرية التعبير والتعدي على الاخرين، عمية أساسية لضمان الاستقرار الاجتماعي، وكذلك طريقة لاستخدام ابداء الآراء بالطريقة المناسبة، مما يساعد في الارتقاء الاجتماعي، ويعزز مسيرة النهوض الثقافي، ويدفع باتجاه تحقيق اهداف حرية التعبير الأساسية.

كاتب صحفي