آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:00 م

فائدة لغوية «9»: ”لكل شئ آفة“

الدكتور أحمد فتح الله *

يقال ”آفة العلم النسيان“ [1] ، و”آفة المرؤة خلف الموعد“ [2]  و”آفة الرّأي الهوى“ [3] ، إلى غير ذلك من أقوال تذكر الآفات، أي آفات الأشياء [4] ، حيث يقول الإمام علي : ”لكل شئ آفة“ «ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج1، صفحة 84.» فما هي الآفة؟ في ما يلي تعريف بهذه المفردة، لعله يساعد على فهم مضامين هذه الأقوال، وبعض آثارها المترتبة عليها، أمَّا شرح الأقوال وكيفَ يكونُ النسيانُ آفةَ العلمِ، وخلفُ الموعدِ آفةَ المروءةِ والهوى آفةُ الرأيِّ، وغير ذلك، فتُطلب في أماكنها.

”الآفة“ في اللغة

1 - آفة، وجمعها آفات: الجذر: ”إفف“. الوزن: فَعَلَة، والشيء مَؤُوف «شمس العلوم: نشوان بن سعيد الحميري»

- كُلُّ ما يصيب شيئًا فيفسده، من مرض أو عيبٍ أو ما شابه ذلك.

- [في الأحياء] كُلّ ما يُصيب الكائن الحيّ من عاهة أو عطب أو مرض، وتكون غالبًا حشرة أو طُفيليًّا. «العربية المعاصرة: أحمد مختار عمر وآخرون»

2 - كلُّ ما يصيب شيئًا فيفسده، من عاهة أَو مَرَض أَو قحط. «المعجم الوسيط»

3 - العاهة، وهي عرض مفسد لما أصابه. «مختار الصحاح: محمد بن أبي بكر الرازي و«معجم متن اللغة: أحمد رضا»

4 - عرض يفسد ما يصيبه وهي العاهة. «التوقيف على مهمات التعاريف: زين الدين محمد المناوي القاهري»

5 - الآفَة: العاهَة، أو عَرَضٌ مُفْسِدٌ لما أصابَه. و”إيْفَ“ الزَّرْعُ، كَقِيْلَ: أصابَتْهُ ”آفة“، فهو مَؤُوفٌ ومَئيفٌ،

وإيفَ القومُ أُوفُوا وإيفُوا وأُفُوا وإِفُوا، والهمزةُ مُمالَةٌ بينَها وبين الفاءِ: دَخَلَتِ الآفةُ عليهم. «القاموس المحيط: مجد الدين أبو طاهر محمد الفيروزآبادي»

6 - المصيبة «الرائد: جبران مسعود»، وآفَةُ العِلْمِ النِّسْيَان ”: مُصِيبَةُ العِلْمِ.“ نَجَا مِنْ آفاتِ الدُّنْيَا مَنْ كَانَ مِنَ العَارِفِينَ". «الغني: عبدالغني أبوالعزم»

”الآفة“ في الشعر العربي

وكما ذكر الحكماء الآفة، استعملها الشعراء العرب في أشعارهم، على سبيل المثال:

شَكَوْنا إلَيكَ الجَهدَ في السّنَةِ التي....أقامَتْ على أمْوَالِنَا آفَةَ المَحْلِ «الفرزدق، يمدح الوليد بن عبد الملك»

أفنيتَ ما لكَ تعطيهِ وتنهبهُ....يا آفةَ الفضةِ البيضاءِ والذهبِ  «مروان ابن أبي حفصة»

أَفْنَتْ حُقُولَكَ آفَةٌ أَرْضِيَّةٌ....عَاثَتْ بِهَا وَشِعَارُها الإصْلاحُ «أحمد الصافي النجفي، يخاطب الفلَّاح»

”الآفة“ في الدعاء

- جاء في ”دعاء الحجب“، المروي عن النبي الاكرم ﷺ: ”وأن تصرف عني وعن أهل حزانتي وجميع الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جميع الآفات والعاهات“ «بحار الأنوار، المجلسي: ج90، ص: 404».

- جاء في الصحيفة السجادية من دعاء الإمام زين العابدين ”وأنزل علينا نفع هذه السحائب وبركتها، واصرف عنا أذاها ومضرتها ولا تصيبنا فيها بآفة ولا ترسل على معايشنا عاهة.“

- وفي الدعاء عند غسل الجمعة المروي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق «عليهما السلام»: ”اللهم طهر قلبي من كل آفة تمحق بها ديني“ «جواهر الكلام، الجواهري: ج 5، ص: 24».

حسب ما جاء في المعاجم العربية التي ذكرناها في محالها أعلاه، أنَّ ”الآفة“ و”العاهة“ عرض مفسدٌ لما أصاب من شيء. والذي يلفت الانتباه من مفردتي  ”الآفة“ و”العاهة“ في النصوص الشريفة المذكورة، أنهما غير مترادفتين، كما توحي بعض التعريفات المعجمية أعلاه. يبدو الفرق بينهما في أن  ”العاهة“  تشمل كل عارض يوجد نقصًا في جسد الإنسان أو عقله، وتطلق عادةً على العيب الظاهر الواضح، أمَّا  ”الآفة“  فهي أعمُّ من ذلك حيث تشمل العيوب في جميع قوى الانسان المادية والمعنوية «أعني الجسدية والعقلية والروحية والنفسانية»، الظاهرة منها والخفية. [5] 

الآفة في اصطلاح الفقهاء

1 - عرض يفسد ما أصابه، والآفة السماويَّة هي التي لا دخل للآدمي فيها كالدودة تصيب الزرع. «معجم لغة الفقهاء: محمد رواس قلعه جي وحامد صادق قنيبي»

2 - ما يصيب الشيء ويتلفه. واصطلاحًا، التلف أو النقص الحاصل للشيء، بسبب تأثير العوامل الطبيعية، كالريح والمطر، أو الدودة التي تصيب الزرع. «معجم ألفاظ الفقة الجعفري، ط2: أحمد فتح الله».

من الواضح إذًا من تعريفات الفقهاء أنَّهم يستعملون مفردة ”الآفة“ بنفس المعنى اللغوي، إلا أنهم غالبًا ما يقيدونها بكونها سماويَّة، وهي ما لا دور للآدمي فيها. والآفة قد تكون عامَّة، كالريح والمطر الشديدين، أو كالحر والبرد الشديدين، وقد تكون خاصة كالجنون وغيره [6] .


[1]  قول ينسب إلى أبي عبيد البكري، صاحب ”معجم ما استعجم“ «معجم مجمع الأمثال، أبو الفضل الميداني، ص24». وفيه: ”قال النسابة البكري: إن للعلم آفة ونكدًا وهُجْنَة واستجاعة؛ فآفتُهُ نسيانُه، ونكدُهُ الكذب فيه، وهُجْنَتُهُ نشره في غير أهله، واستجاعَتُهُ أن لا تشبع منه.“

[2]  عن عوف الكلبي «معجم مجمع الأمثال، أبو الفضل الميداني، ص: 24».

[3]  من خطب ”أكثم بن صيفي التميمي“، أشهر حكام العرب في الجاهلية وأحد المعمرين فيها وكان يلقب ”حكيم العرب“، ويُروى أنه قال عن النبي ﷺ: ”أَيْ قوم إني أراه يأمر بمكارم الأخلاق وينهى عن ملائمها فكونوا في هذا الأمر رؤوسًا ولا تكونوا أذنابًا وكونوا أولًا ولا تكونوا فيه آخرًا“ «الإصابة في معرفة الصحابة لابن حجر العسقلاني: 110/1».

[4]  على سبيل المثال، انظر: ”ميزان الحكمة“، محمد الريشهري، ج1، صفحة 85-84، فيه جمع لأقوال النبي محمد ﷺ وأقوال الإمام علي جاء فيها ذكر لكلمة ”آفة“، في باب 97 ”الآفات“.

[5]  لَعَلَّ استعمالنا في اللهجة المحلية كلمة ”آفة“ لوصف الشخص الأكول، الشِّره في الأكل، يقارب هذا المعنى.

[6]  يختلف عند الفقهاء الحكم المترتب على ما تحدثه الآفة باختلاف المقصود مما أصابته وباختلاف ما تحدثه من ضرر. وإجمالًا فهي تدخل في مسائل متعلقة بمواضيع متعددة، كالبيع والإجارة والرهن والوديعة والعارية والنكاح والزكاة. ولها أثر عند الفقهاء في تأخير الحدّ والقصاص، على سبيل المثال، عند الخوف من ضرر الآفة، أو أن يُجَنَّ الْجَانِي قبل إقامة الحد عليه.
تاروت - القطيف