آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

الفاكهة الحلوة الحرام!

المهندس هلال حسن الوحيد *

فاكهة حلوة المذاق، من النادر أن تجلسَ مع صديق دونَ أن تحضر ويأكل منها الجلاس. شهية تجعل الوقت يمر قصيراً وكأنها من المخدِّرات. تجلب البسمةَ والراحة إذا صبر الآكل على حرارتها اللاذعة وغرابة طعمها الذي يقرب من مذاق لحم الأخ الميت. فلهذا هي طعام زقوم قاتل لا يقربه إلا الخاطئون وهم كثر - إلا من رحم ربنا - نساء ورجال، صبايا وصبيان، فقراء وذو مقامات، كلنا نأكل منها!

تسمى هذه الفاكهة المحرمة في اللغة العربية ”الغيبة“، وهي ذكر عيوب إنسان بظهر الغيب، بالطريقة التي تسقط مكانته، وتسيء إلى كرامته. لكن هذا لا يمنع من تغليف العيوب بغلاف جاذب وتصبح الغيبة كأنها مدح، فلا يبدو الأمر بذلك السوء وتحلو الفاكهة. في حين أنها اعتداء على حريات الآخرين وحرماتهم الخاصة، فقد يكون إفشاء أسرار العيوب أكثر خطورة من الاعتداء على المال أو نحو ذلك. ثم إذا كان في فلانٍ عيب فالخير إذا قليلٌ في المجتمع والحياة الإنسانية، وبعد ذلك تفور العداوة والبغضاء والتقاتل والتناحر بين كلِّ الناس.

لا تستبعد إن فرقت تلك الفاكهة الحلوة المحرمة بين المحبين، ولعلها السبب الأقوى في كلِّ افتراق. ولا تستغرب أن بسببها يتقاتل البشر وتسقط الضحايا في كلِّ الأزمان والأماكن. لهذا لم يقرب الأنبياء هذه الفاكهة المحرمة ونصحوا أتباعهم بأن لا يقربوها وأن لا تدغدغ حليمات تذوقهم أبداً ما بقوا أحياء. وقال عنها الله سبحانه وتعالى ﴿ولا يغتَب بعضكم بعضاً أيُحبّ أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه .

ليس في البشر أحد يحب أن يأكل لحم أخيه ميتاً يقطعه بالسكين، عملٌ فظيع يثير في النفس بصورةٍ عفويةٍ الاشمئزاز ويُجسد الوحشية التي يرفضها الفرد والمجتمع، لكن الكثير منا يقارب هذه الخطيئة مرات يومياً دون أن يثير الطعم في حلوقنا أي مرارة، وعلى العكس تغمرنا البهجة والسرور كلما قاربناهَا!

هذه الفاكهة المحرمة لا تحتاج لكثيرٍ من آيات الكتب السماوية وأحاديث الأنبياء والأوصياء ليعرف الناس كم هي سامَّة. وأجزم أن الإنسان بفطرته يعرف سموميتها لأنه ذاقها فوجدها مرَّة علقم، فأوحت له نفسه بأنه: أليس كل شيء كانت مفسدته أكثر من منفعته كان حراماً؟!

إن من أجمل الأعمال أن لا نقرب هذه الفاكهة المحرمة ولا من يأكلها ما استطعنا إلى ذلك سبيلا. وإذا كنَّا نكره أكلَ لحم أخينا حياً، فإنَّ أخانا الغائب كالميت لا يستطيع الدفاعَ عن نفسه وذبَّ التهم عنه.

مستشار أعلى هندسة بترول