آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

يسألكم براءة الذمة

رضي منصور العسيف *

كانوا مجتمعين في المقبرة لتوديع أحد رجال المجتمع الذين عُرفوا بالإيمان والأخلاق والمواقف النبيلة... كان الحزن يخيم على الأجواء...

في جانب من المقبرة كان هناك رجلان يتحدثان عن المرحوم... قال أحدهم: رحمه الله... كان يشتري من محلي وكان لا يقبل أن أخفض له ريالًا واحدًا وكان يقول هذا حقك... فلا تخفض... وقبل يومين قد سدد جميع ديونه... كان رحمه الله يقول: لا أريد أن أخرج من هذه الدنيا و«فلان» يطالبني بريال واحد...

خرج الجميع من المقبرة وإذا بأحدهم ينادي على أحد أبناء المرحوم...

وقف معه ودموعه تجري على خديه وقال: سامحني يا ولدي... لقد كنت قاسيًا مع والدكم... لقد تدينت منه مبلغًا من المال وكنت أنانيًا معه... فقد أجلت سداد الدين عدة مرات... وقد حظرت رقم والدكم حتى لا يرسل أي رسالة يطالبني بالدين... وعندما يراني في إحدى المناسبات كان يغض الطرف عني... بل كان يتغافل وجودي منعًا للإحراج...

ولكن أعدك يا ولدي أنني سوف أسدد ديني في الشهر القادم... سوف أستلم جمعية وأسدد الدين...

أرجو أن تتواصل معي على هذا الرقم....

لم يتحدث الولد بأي كلمة...

مضى الشهر الأول والثاني ولم يتلق الولد أي رسالة...

تحدث مع إخوانه حول القصة... فقال أحدهم: نحن لسنا بحاجة لهذا المبلغ ولكن لا يمنع أن ترسل له رسالة تذكره بوعده، لعله قد نسي الأمر...

أرسل له رسالة...

بعد يومين وصل الرد... سامحني يا ولدي فقد احتجت الجمعية لشراء سيارة لولدي فهو يدرس خارج المنطقة ويحتاج السيارة...

ومضت أربعة شهور وتكرر الاعتذار عن السداد بسبب احتياج العائلة لعمل صيانة للمنزل...

وبعد ستة أشهر وصلت رسالة: سأتوجه لأداء فريضة العمرة... لن أنساكم من الدعاء... وأسألكم براءة الذمة.... سامحني يا ولدي تأخرت عليك كثيرًا... فقد حصلت لي فرصة للذهاب للعمرة...

بعد مضي عامين توفي الرجل... في مجلس العزاء قال الخطيب من له دين على المرحوم فإن أولاده على استعداد لسداد دينه...

قرر الولد إغلاق الملف كما فعل والده المرحوم...

عاجل: سدد دَّينك

يلجأ البعض للاستدانة لأسباب وجيهة، ولكن عليه أن يحترم الطرف الآخر فلا يكن معه ظالمًا متعديًا على حقه. وعليه أن يعمل ويخطط لسداد الدَّين في أسرع وقت.

إن الدَّين قد يساعدك في حل أزمة مالية ولكنه يدخلك في مشكلة نفسية، قد يعاني البعض من الأرق، وقد يلجأ البعض للعزلة فهو ”هم بالليل وذل بالنهار“ كما يقول الرسول الأكرم ﷺ. [1] 

بل قد تتحول شخصية المستدين إلى شخصية أخرى تتصف بالكذب وخلف الوعد كما وصفه أمير المؤمنين : ”كثرة الدَّين يصير الصادق كاذباً والمنجز مخلفاً“ [2] 

لذا يجب عدم التعود على الدين كما يقول الإمام الصادق : خففوا الدَّين، فإن في خفة الدَّين زيادة في العمر. [3] 

وعليك أن تفكر بجد لتسديد ديونك من خلال تطبيق المعادلة التالية:

ترشيد المصروفات + إعداد ميزانية متوازنة للاحتياجات الأساسية + تقليل الصرف على الكماليات + دراسة كل مرحلة والاستمرار في سد الدين = راحة

واحذر أن تسدد دين بدين آخر.


[1]  بحار الأنوار: 4/4/103
[2]  غرر الحكم
[3]  بحار الأنوار: 21/145/103
التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
نقاء السماء
[ تاروت ]: 18 / 11 / 2020م - 12:25 م
أحسنت وصدقت الأخ الكاتب
البعض قد يحتاج للإستدانة أحياناً ، لكن للأسف حتى لو أنعم الله عليه بتوفر المال لديه ، تراه يماطل كثيراً في إداء ماعليه ، الى أن يتوفاه الله ، حينئذٍ كان الله في عون أهله على إداء ماعليه .
2
Yaser
[ القطيف ]: 18 / 11 / 2020م - 6:39 م
قبل كم سنة تسلفت من صديق مبلغ لا بأس به لمدة شهرين تقريباً و بسبب ظروف صعبة لم اوفي وتأخرت عليه سنة تقريباً واعطيته خبر سبب تأخري عليه. والحمدلله سددت المبلغ كامل دفعة واحدة
كاتب وأخصائي تغذية- القطيف