آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:12 م

المُعَلم

فاطمة القروص

”المْعَلم“

أو الكتَّاب «الكتاتيب» حلقة تعليم القرآن وتكون الحلقة في فناء المنزل ومعدة بكراسي صغيرة بسيطة من الخشب او جلسة مصنوعة من خوص النخيل وتسمى «قاعودة» والتي اشتهرت بصنعها النساء في جزيرة تاروت..

”شغف التعليم“

وقد حرص الأهالي قديماً على تحفيظ ابناءهم القرآن الكريم ولشدة محبتهم للتعليم وعدم وجود مدارس حينها ورغم قلة الدخل الا إن ذلك لم يمنعهم من تسجيل ابناءهم وبناتهم لدى معَلم او معلْمة من مختلف طبقات المجتمع وخاصة بالنسبة للفتيات. فاقتصر تعليمهن على إجادة القراءة وحفظ القرآن ولذلك فقد كان تعليمهن في المعلم رائجاً ومحبباً وايضاً لرغبة الأهالي في أن يصبحن بناتهن معلمات للقرآن لما له من أجر عند الله، أو قارئات حسينيات لشهرتهن في ذلك الوقت واحترامهن الشديد من المجتمع حيث تقرأن العادات «العزايا اليومية او الأسبوعية» ومناسبات أهل البيت من وفيات وموالد، وافراح الزواجات، والفواتح، ويتقاضين أجراً مجزياً وكان المثل الشائع «الحسين سلام الله عليه غني ويغني»

”مراحل التعليم“

والتعليم ليس بالسهل بالنسبة للمعلمة حيث تبدأ من تهجئة الحروف وتعليم مخارجها «ألف لاشي له والباء نقطة من تحت والتاء نقطتين من فوق ألخ...» ثم تحفيظها بعلامات التشكيل المعروفة، ثم الانتقال الى جمع الحروف في كلمة واحدة «ابجد هوز كلمن..» واخيراً الانتقال الى مرحلة القراءة «السريد»، وفيها تكون فرحة الأهل لا توصف فبوصول الطفل الى هذه المرحلة يكون قد تعدى مرحلة الهجاء. ومن الاطفال المتعلمين من ينجح ومنهم من يخفق ومنهم من يستمر لسنوات طوال ولكن ما يستحق الذكر والاعجاب هو إصرار الأهل على تعليم بناتهن مهما تعثرن، فيبذلون قصارى الجهود والصبر حتى مع وصولهن إلى سن الزواج.

”طريقة التسجيل والدفع“

يُأتى بالطفل او الطفلة غالباً في سن مبكرة جداً وقد لا يتجاوز السادسة لمعرفة أن العلم في الصغر يأتي بثمار أفضل من الكبر «العلم في الصغرِ.. كالنقش في الحجر».

ويتم التسجيل بطقوس خاصة ووسط فرحة عامرة للوالدين فالطفل الصغير قد كبر وبلغ سن التعليم!

كان يسبق الطفل الى باب المعلم المثل المتوارث «جبناه لحم اعطينا إياه عظم»، والقصد ليس التقليل من شأن الطفل او الطفلة بل كانت عبارة ملئها الثقة والتسليم التام بالمعلمة وجهودها ”سلمناها لكِ وتولي تعليمها وتهذيبها“ بما فيه الصلاة والطبخ بمهارة والتنظيف المنزلي.

ويكون التعليم على فترتين من السابعة صباحاً الى وقت أذان الظهر، اما الفترة الثانية فهي تبدأ من الثانية ظهراً وحتى أذان المغرب وغالباً يقضين وقت الضحى في بيت المعلمة ويتناولن وجبة الغداء وتسمى «بيوتة» هي وجبة مكونة من رز وسمك مملح ومجفف وأحياناً سمكاً مشوياً» كما أن جيوبهن لا تخلو من مصروفهن اليومي.

ويتم الاتفاق على أجور التعليم على دفعات كالتالي:

جزء عمَّ: يتم دفعه بالكامل عند ختمه كاملا او مجزء، أما باقي القرآن فلربعه دفعة ولنصفه دفعة وآخر سورة المائدة لها دفعة أخرى وختم القرآن له دفعة أخيرة. وهذا الحال بالنسبة للمقتدرين مادياً، أما غير المقتدرين فيدفع أجر جزء عم أما الباقي باقي الاجر فهو «قطوعة» على المهر وهي طريقة لدفع اجر المعلمة من مهر البنت عند زواجها.

وبعد حفظ القرآن تتولى المعلمة شرح كتيبان سيرة النبي ﷺ والفخري وهو كتيب يحوي سير أهل البيت وفضائلهم مع قصائد رثائية وتعليمهن طريقة القائها، في حال رغبة الاهل في تعليم البنت القراءة الحسينية.

مناسبات أتت عليها الحضارة واندثرت

المناسبات التي يتم فيها الاحتفال فيها في المْعَلم

«9 - ربيع الأول» وهو يوم تتويج المهدي حيث يتم الاحتفال بإعداد بعض الحلويات قديماً مثل العصيد والشعرية «السيوية» وغيرها

«29 جماد ثاني» ويسمى الإشراك، جاءت هذه التسمية لمشاركة الاهالي بتقديم مؤن الطبخ مثل الارز والبهار والسكر والملح والزيت ويعد بتعاون البنات الكبيرات والمعلمة ويُأكل وسط احتفال بهيج وفرحة غامرة من المشاركات. ثم الذهاب الى المساجد للصلاة.

وايضاً يوم الاربعاء من كُل أسبوع وهو من أجمل الأيام وله طقوس خاصة منها إحضار مبلغ من المال عبارة عن نصف او ريال وبيضة، وفيه التعليم قليل والخروج باكراً وإنشاد قصيدة مشهورة مع المعلمة وبعض مديح أهل البيت بفرح وسرور، ويتسابقن كل البنات بترتيب ما يجلسن عليه وتنظيف ما يتركنه من بقايا طعام والاعمال المنزلية لبيت المعلمة بكل حب وطواعية ذاتية ونوعاً من رد الجميل لمعلمتهن لانشغالها طول الأسبوع معهن ويودعن بعضهن ويخرجن باكراً.

قصيدة التمساية:

تمسى يا معلم بالسعادة وآمرنا بأمرك في الرواحِ

بدأنا بالنبي أحمد محمد رسول الله حي على الفلاحِ

وحيدرةٍ أبي حسنٍ علي مبيد الشرك في يوم الكفاحِ

وفاطمةٍ وابنيها جميعا هما السبطان أرباب الصلاحِ

ومما تمتاز به الحلقة العلمية إن المْعَلم والمْعَلمة يتركا أثراً بالغاً من الاحترام والتقدير في حياتهما والذكرى الطيبة بعد مماتهما ممن تعلموا القرآن حتى لأبناء وبنات تلك المعلمة او المعلم بمناداة «بنت معلمتي وولد معلمي» عرفاناً ووفاءً لهما.. وهذا سر من أسرار القرآن الكريم لحافظيه ومعلميه.