آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

نزيف

السيد فاضل علوي آل درويش

نواجه في حياتنا من المسارات التي نختارها على مستوى الأهداف التي نعمل على تحقيقها ونؤمل رؤيتها عما قريب على أرض الواقع، وكذلك من الظروف والأحداث ما يعتصر قلوبنا ألما لا يطاق، وكذلك على مستوى علاقاتنا الاجتماعية نواجه شخصيات صعبة ومضرة تلحق بنا الأذى والحزن أكثر من الارتياح والفرح الذي لا يدوم معهم إلا للحظات متقطعة، فكيف يمكننا مواجهة ما يؤلمنا ويؤذينا بحيث نتخلص من آثاره ومتاعبه؟

البعض يجد في واقعه المرير خيارا لا مفر ولا مخلص منه، ولذا يتجه نحو التحمل والصبر على المتاعب دون وضع خط أحمر أو نهاية محددة، إذ لا يمتلك قوة تفكير وإرادة صلبة تراجع أحداث حياته ويحدد خياراته وفق المستجدات والنتائج، ويبقى أسيرا لتلك المصاعب ويندب حظه العاثر الذي أوقعه في هذا المطب، دون أن يلتفت للخسائر الكبرى التي تحيق به على مستوى العطاء المتراجع جدا منه والاستنزاف لطاقته النفسية والإرهاق الروحي الذي ينكد عليه حياته، ويفقده استشعار اللحظات الجميلة التي تمر به، متناسيا مثل هذا الشخص القوة التي يتحلى بها الإنسان الواعي في التخلص من المؤثرات السلبية على حياته، وهذا لا يعني - بالطبع - الضجر السريع من أي مواجهة وعقبة صعبة يصادفها، ولكننا نشير إلى نقطة محددة وهي القرار المناسب الذي يتخذه تجاه تكرار المتاعب من هذا الخيار سواء كان هدفا أو شخصا، قرار يبعد عنه المعوقات والعراقيل لمسيره نحو النجاح والإنجاز والسعادة في الحياة، هذا القرار هو التخلص من المؤذيات بعد تكرار محاولة الإصلاح والتي لا يعقل أن تستمر بهذا الوضع السيء والمتدهور إلى ما لا نهاية.

الاستمرار في تقبل دور الضحية والعجز حينئذ عن تحقيق آماله سيوقعه في متاعب أكثر، وسيأتي عليه من الوقت ما يعجز فيه عن حمل تلك الأثقال ليسقط أرضا صريعا لا حراك فيه، والشخصية القوية المتمتعة بالشجاعة في المواقف تتخذ قرارا مهما يتعلق في تجنب الانزلاق في هذا الوحل الذي يغرق فيه أكثر فأكثر، وليس من المعقول التحمل المستمر للأوجاع التي تنهش ببنيته النفسية والفكرية حتى تحيله لبقايا إنسان.

وهل تخفى على الجميع المتاعب العاطفية من الارتباط بصديق لا تجد منه إلا الأذى والتجريح والسهام النافذة في أكثر المواقف والحوارات معه، فإن من يستمر في أذيتك مع تنبيهه المتكرر لأخطائه وهفواته ومسامحته عليها وتقبل اعتذاره لأكثر من مرة، ولكنه لم يتغير مع إلفات نظره لما يؤذيك ويجرحك دون أن يرعي سمعا لما تقوله، أفلا يكون تجنب الاستمرار في العلاقة معه راحة ومغنما وليس بخسارة مطلقا؟!

من لا يحترم وجود كيانك ومشاعرك ورؤاك لا يستحق التواجد في حياتك الخاصة، فإن الحب والاحترام - الذي هو قوام العلاقات المستقرة والقوية - يفترض أن يحفظ لك مكانة في قلبه ومواقفه، فإذا لا يمكنك الاستمرار مع من يواجهك بالعنف الجسدي «الضرب» لانهيار جدارية الاحترام والثقة، فكذلك من يواجهك بالعنف اللفظي والعاطفي والاجتماعي لا يستحق كل ذلك الاهتمام والتحمل الذي لا يبدو له نهاية.

فالعلاقات بين الأصدقاء تقوم على أساس التفاهم والانسجام والثقة والعطاء، والاتصاف ببعض السلوكيات يقوض تلك العلاقات ولا يمكن تحمل من يتصف بها إلى ما لا نهاية، فالأنانية والتكبر والبخل والشح العاطفي وقلة الاحترام والاهتمام وغيرها من المقوضات للعلاقات لا يمكن تحمل تبعاتها ونتائجها بنحو مستمر، ومن حق كل إنسان عاقل أن يحمي وجوده وكرامته ويدافع عن نفسه بالعمل على كف الطرف الآخر عن أذيته، وللأسف فإن الأذى النفسي والعاطفي للآخرين لا يعيره البعض أي اهتمام كما يجري من أساليب العنف اللفظي الجارح على النطاق الأسري والاجتماعي، والتصدي لها لا يعد أمرا سلبيا بل هو مطالبة بأدنى الحقوق من الاحترام والاعتبار لكي تستمر العلاقات بنحو متوهج ومتألق.