آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:37 ص

مثالب

محمد أحمد التاروتي *

يكشف التناقض في مستوى الاهتمام بالشخصيات، عيوبا حقيقية في طبيعة التفكير الإعلامي، وأحيانا الاجتماعي، ففي الوقت الذي تقوم الدنيا لا تعقد بوفاة احدى الشخصيات الهامشية، وغير المؤثرة في المسيرة العلمية والعملية، فان الاعلام يتجاهل تماما الشخصيات ذات الأثر الكبير في المسيرة الاجتماعية، حيث يتجلى ذلك في رصد كل حركة او تصريح لتلك الشخصيات الهامشية، فيما تدفن البحوث العلمية للشخصيات الفكرية، حيث يظهر الاهتمام الإعلامي بالشخصيات الهامشية عبر ترديدها على الالسن وتداولها بشكل يومي، فيما الشخصيات العلمية تبقى مغمورة وغير معروفة، سواء نتيجة التجاهل المتعمد او غير المسؤول، من وسائل الاعلام على اختلافها.

طريقة التعاطي مع الشخصيات العلمية ينم عن قصور كبير، في الاحترام الحقيقي لهذه القامات الفكرية، الامر الذي يكرس حالة الجهل، والتدهور في الكثير من المجالات العلمية، فالتجاهل المستمر للشخصيات العلمية يكشف طبيعة التفكير، لدى بعض وسائل الاعلام، خصوصا وان منطق الربح والخسارة يمثل المحرك الأساس، وراء الركض وراء الشخصيات ”الهامشية“، انطلاقا من مبدأ ”الورقة الرابحة“، الامر الذي يسهم في تضخيم تلك الشخصيات غير المؤثرة، بطريقة غير مفهومة على الاطلاق.

إعادة الاعتبار للشخصيات العلمية خطوة محمودة، ولكنها ليست كافية لاعطائها حقها الذي تستحق، خصوصا وانها بذلت الجهود الكبير في سبيل تقديم عصارة فكرها، في سبيل الارتقاء بالامة، والعمل على انتشالها من مستنقع التخلف، بيد ان عملية إعادة الاعتبار تأتي متأخرة في الغالب، فالكثير من الشخصيات العلمية تبقى ”مجهولة“، ولا يلتفت اليها المجتمع، نتيجة تسليط الأضواء على الشخصيات الهامشية بالدرجة الأولى، الامر الذي يجعل الشخصيات العلمية في عالم اخر، بمعنى اخر، فان ”تكفير الذنب“ عن تجاهل الشخصيات العلمية لا يقدم ولا يؤخر في كثير من الأحيان، خصوصا وان محاولة ابراز الجهود العلمية بعد وفاة العلماء، ليس كافيا لوضعهم في المكانة الحقيقية.

التركيز الكبير على الشخصيات الهامشية، ساهم في احتلالها مواقع لا تستحقها على الاطلاق، خصوصا وانها غير قادرة على انقاذها نفسها، من دوامة الجهل الذي تعيش فيه، فما بالك بالمساهمة في نشر المعرفة بالمجتمع، انطلاقا من قاعدة ”فاقد الشيء لا يعطيه“، وبالتالي فان الكثير من الشخصيات الهامشية تجد من الأضواء فرصة للانتشار، على حساب القامات العلمية الأكثر قدرة، على وضع المجتمع في المسار السليم، فالامم تنهض بالمعرفة والعلم وليس بالاتكاء على الشخصيات الهامشية.

صناعة الشخصيات الهامشية عملية مدروسة، وليست صعبة على الاطلاق، فالعملية مرتبطة بمدى الاستجابة الاجتماعية بالدرجة الأولى، فالاعلام يتحرك بطريقة ردود الأفعال الاجتماعية، بخصوص طرح القضايا المختلفة، ولعل ابرزها تسليط الأضواء على الشخصيات الهامشية، مما يدفعه لمحاولة قراءة الانفعالات الاجتماعية، لرسم خارطة طريق للمرحلة القادمة، وبالتالي فان مستوى الوعي الاجتماعي يحدد اليات التعاطي مع الشخصيات الهامشية، بالإضافة لذلك فان الشخصيات العلمية تتحمل جزءا من المسؤولية في ترك الساحة للاسماء الهامشية، الامر الذي يفرض التحرك الجاد للتعريف بالذات، وعدم الاكتفاء بالفتات الذي تلقيه الوسائل الإعلامية، بين فترة وأخرى، خصوصا وان استحواذ الشخصيات الهامشية على الساحة الاجتماعية، يعطي انطباعات سلبية، ويؤثر على المسيرة التنموية، جراء طرح قضايا تافهة وغير قادرة على تحريك العقول، وتعطيل مسيرة العمل على الارتقاء بمستوى التفكير، لدى مختلف الشرائح الاجتماعية.

رسم المسار السليم في الاحتفاء بالشخصيات العلمية، عملية أساسية لبناء العقل الجمعي، لاسيما وان الارتماء في حضن الشخصيات الهامشية يكرس الجهل، ويقضي على المحاولات الجادة للنهوض الشامل، في شتى المجالات العلمية والفكرية، نظرا لوجود موانع حقيقية قادرة على ابطاء تلك التحركات، الامر الذي يتطلب وضع اطار حقيقي لاعادة الاعتبار بالشخصيات العلمية، باعتبارها المفاتيح الحقيقية، لإزالة اتربة الجهل عن التفكير.

عملية النهوض مرتبطة بمدى الاهتمام بالعلماء، وتوجيه الرأي العام للاحتفاء بالعقول العلمية، والعمل على الارتباط الوثيق معها، عوضا من التوجه للشخصيات التافهة التي لا تملك من امرها، سوى ”السراب“ والجهل بمختلف اشكاله.

كاتب صحفي