آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

تجربتي في التعلم عن بُعد

حسن مفيد المرهون

بخطوات طفل في السادسة من عمره «وأنا في الخامسة عشرة من عمري»، وبأيدٍ حانية نحو أسوار العلم والمعرفة بدأنا في مسيرتنا التعليمية نسابق الزمن نحو قمم النجاح. لم يمنعنا صيف ولا شتاء. نخرج لها مبللين بقطرات المطر.. بقفزاتنا وضحكاتنا، نمسك بأبوابها فننهل منها إشعاع الضوء وجسيمات الذرة والأحياء الدقيقة.

في يوم السبت الموافق 12/ 7/ 1441، قد حال بيننا وبين مواصلة تعليمنا في فصولنا الدراسية، فايروس لم تره أعيننا؛ فوقفنا مكتوفي الأيدي ننتظر ما الذي سيحدث؟ حينذاك أصدرت وزارتنا الحكيمة قرارًا بتعليق الدراسة حضوريًّا في المدارس لمدة أسبوعين، وكان ذلك في محافظة القطيف فقط، وذلك لانتشار فايروس كرونا «COVID-19» في المنطقة، وفي اليوم التالي عممت الوزارة هذا القرار في جميع أنحاء البلاد، لكن الصدمة عندما أعلنت الوزارة قرارها باستكمال الدراسة عن بُعد. عندها أحس جميع الطلاب بالاشتياق إلى المدرسة وأهمية الحضور فيها. إنها تجربة جديدة لم نألفها من قبل، ولا تخلو من الملاحظات التي قد تكون من تعامل الطالب وغيره، وقبيل انتهاء العام الدراسي الماضي قررت الوزارة نجاح الطلاب جميعهم وإعطاءهم درجات النصف الأول مراعاة للظرف القاهر الذي نمر به. هنا فرح الجميع طلابًا وأهالي. كان هذا القرار هو الأفضل في تلك الفترة، وحتى بعد هذا الإعلان استمرت دراسة بعض المراحل ومنها المرحلة المتوسطة حتى شهر رمضان المبارك، وبعدها كانت بداية الإجازة الصيفية التي ألقى كورونا بظلاله عليها، فكبَّلنا في بيوتنا مراعاة للإجراءات الوقائية التي أعلنتها وزارة الصحة، حفاظًا على حياة المواطنين والمقيمين على هذه الأرض الطيبة.

كنا نتأمل بعد انقضاء الإجازة الصيفية يكون الفايروس انتهى إلى غير رجعة، ونعود إلى مقاعدنا الدراسية، ولكن حصل ما ليس في الحسبان؛ فقد كان هذا الفايروس ينتشر بسرعة كبيرة، ولكل مشكلة حل؛ فأصدرت الحكومة الرشيدة قرارًا بحظر التجول في أوقات معينة، ساهم في انخفاض أعداد المصابين بالفايروس، إلى درجة مرت تسعة أيام على القطيف كانت حالات الإصابة صفرًا، كنا نرجو أن تتم إلى اليوم العاشر، ولكن الله عز وجل لم يكتب لنا هذا.

ومع انتهاء الإجازة الصيفية أعلنت الوزارة عن الدراسة عن بُعد ليكون حلًّا وسطًا، وأخبرت أن هذه التجربة ستكون مختلفة عن العام السابق، مرحلة فيها الجد شعارًا والاجتهاد مسارًا؛ ومن هنا فقد صدر قرار إنشاء منصة مدرستي بالتعاون مع شركة مايكروسوفت العالمية، فوفرت لنا الوزارة حسابات مايكروسوفت ذات خصائص متعددة، وبرامج مثل برنامج ”مايكروسوفت تيمز“ الذي يستخدم اليوم من أجل الفصول الافتراضية. في أول أسبوع حدث خلل فني، وهو متوقع بما أن المنصة كانت جديدة ولم تجرَّب من قبل، نتيجة الضغط الكبير على المنصة الناتج من كثرة أعداد الطلاب والطالبات بالإضافة إلى طاقم التدريس الذي يصل إلى نحو ستة ملايين مشترك، مما لم يسمح بعملها بشكل جيد، فأعلنت الوزارة أن أول أسبوع هو أسبوع تدريبي، وقامت بعمل محاضرات تعليمية وتدريبية للمنصة، وبعد انتهاء ذلك الأسبوع وتدريجيًّا مررنا بالكثير والكثير حتى استطعنا التأقلم مع الوضع الجديد.

وهنا لا أنسى جهد الأسرة ممثلة في والدي ووالدتي في تجهيز الأجهزة اللازمة للعملية التعليمية، وتوفير المكان المناسب للدراسة في المنزل، ناهيك عن الإعداد النفسي والذهني، فلم يكن سهًلا خاصة للذين في بداية دراستهم في الصف الأول الابتدائي. إن الأمر سيكون صعبًا عليهم، مع العلم أن الوزارة نبَّهت إلى نقطة هامة وهي تجهيز بيئة تعليمية مناسبة للطالب ليشعر أنه في جو دراسي، من الطاولات والكراسي وغيرها، فقد كانت مهمة بعد هذا التحول الجذري والذي كان يتطلب كل هذه الاستعدادات المادية والمعنوية.

وهنا أودُّ أن أذكر بعض الإيجابيات التي حصلنا عليه من هذه الطريقة في التعلم، منها:

1 - الأمان والصحة يأتيان على سلَّم الأولويات، هذه الإيجابية تنفي كل سلبية سنتحدث عنها، وذلك لأهميتها الكبيرة، ذلك أن الدولة قدَّمت الصحة والأمان على الدراسة، فلا شيء يعلو فوق قيمة الحياة، عِلمًا كان أم عملًا.

2 - إنشاء الفصول الافتراضية، والتي أدت دورًا كبيرًا في الدراسة والتواصل بين الطلاب ومعلميهم، فلولا هذه الفصول لكان الطلاب ضائعين غير منتظمين ولايهتمون بالدراسة.

3 - زيادة اعتماد الطالب على نفسه، وهنا تأتي أهمية التعلم الذاتي والدراسة بالاعتمادات على ما يملكه الطالب من مهارات.

ومع ذلك هناك بعض السلبيات، نحاول تلافيها، منها:

1 - ضعف التواصل بين الطالب والمعلم، والتي بدأت تُحل تدريجيًّا وذلك لاعتياد الطلاب على الدراسة عن بعد.

2 - عدم انتظام بعض الطلاب، إما بالغياب عن الحصة/ اليوم الدراسي، أو بالتأخر، مما يكون له أثر سلبي على تحصيل الطالب، وهنا يأتي دور الأسرة وإدارات المدارس لمتابعة حالات الغياب والتأخر، فقد يكون بعضها مبررًا كعدم امتلاك جهاز أو اتصال إنترنت، وقد تكون بعض الحالات هي استهتار من بعض الطلاب، وهم بحاجة إلى من يرشدهم إلى ذلك.

ولكن هذه السلبيات لم تمنع استمرار التعلم عن بعد وبشكل ممتاز.

وأصبحت هناك اختلافات جذرية بين الماضي والحاضر. سابقًا كنا صباحًا في المدرسة نؤدي الطابور واليوم أقوم في الصباح بتجهيز المكان الذي سأجلس فيه وأرتب فراشي وأستعد لليوم الدراسي، كذلك سابقًا كنت في وقت الفسحة أشتري فطوري من المقصف واليوم أقوم بإعداد فطوري بنفسي، فيالها من اختلافات كثيرة.

ومما يؤسف له أنَّ بعض الأهالي قد تذمَّروا من الاستراتيجية التعليمية الجديدة، وقالوا إنهم يريدون الدراسة حضوريًّا، كم أشعر بالأسف عليهم! فهل يرضون برؤية أبنائهم يحتضرون أمامهم أو يصابون بالمرض، فيكونون ممن آذوهم، يظنون أنهم يسعون إلى مصلحة أولادهم، في حين إنهم يلقون بهم إلى التهلكة.

وأخيرًا، قد قطعنا شوطًا في دراستنا على أمل أن نعود إلى مقاعدنا الدراسية في أقرب فرصة؛ فقد أعلنت حكومتنا الرشيدة «حفظها الله» بأن المملكة ستكون من أول الحاصلين على لقاح الفايروس المنتشر ”كرونا“، فالحمد لله على هذه النعمة العظيمة.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 3
1
سمير آل ربح
[ القطيف ]: 28 / 11 / 2020م - 11:23 م
ابني حسن ...

أنت موهبة وكفاءة، ولك مستقبل زاهر ..

قلمك يُنبئ عن مقدرة في صياغة الجملة، وعلى دقة التصوير، وعلى انتقاء المفردات

كتبتَ مقالة محكمة مترابطة ...

كلي أمل أن أراك كاتبًا مرموقًا قد سطرت المقالة تلو الأخرى والقصة تتبعها قصة إلى أن تصل إلى كتابة رواية بعناصرها الفنية المعروفة ..

المهم أن لا يرجع هذا القلم إلى غمده، بل يبقى مشهورًا في سماء العلم والمعرفة ..

تحية لك ولوالديك اللذان بذلا جهودًا مضاعفة لتصل إلى منصات التكريم ...

معلمك
سمير آل ربح
2
زكريا ابو سرير
[ تاروت ]: 29 / 11 / 2020م - 2:23 م
مقال رائع جدا حبيبي، و سلمت اناملك المباركة، وربنا يوفق لكم ونراكم بإذن الله تعالى في أعلى المراتب العلمية، ونسأل الله أن يزول هذه الغمة عن هذه الأمة، وربنا يحفظكم ويحفظ بلادنا الغالية وجميع العالمين من هذا الفايروس العين.
3
أبو علي
[ صفوى ]: 29 / 11 / 2020م - 8:34 م
ماشاء الله
موفق لكل خير .