آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 11:56 م

المرحوم جعفر الأحسائي أيقونة عطاء صامتة

زكريا أبو سرير

قد يحتار أي كاتب في الكتابة عن شخصية اجتماعية قيمية، ولكن قد يجول الكاتب بقلمه وفكره من هنا وهناك، للبحث عن كلمة إنسانية في مناجم الخير، لعله يوفي بشيء ولو بسيط بحق تلك الشخصية الفاعلة اجتماعيا ودينيا وثقافيا، ولعل الكثير يتساءل عن السبب وراء استمرارية التنقيب في هذه المناجم الاجتماعية الخيرية والفاعلة والمنتجة، والجواب على ذلك، هي لأجل تقديمها وإبرازها كنموذج اجتماعي يمثل القدوة الاجتماعية الحسنة، وكذلك للاستفادة والمنفعة الاجتماعية من هذه الثروة البشرية المجتمعية التطوعية.

يصادف هذه الأيام اليوم العالمي للتطوع، الموافق في الخامس من شهر ديسمبر، ولا يحسن بنا أن تمر علينا مثل هذه الذكرى الجميلة والعطرة، دون أن تكون إلينا وقفة تأمل، وخاصة أن الثقافة التطوعية هي الركيزة الاجتماعية الذي ينبغي أن تسود في أوساط كل المجتمعات بشكل عام، حيث إنها تملي فراغ أهم زاوية اجتماعية في المجتمع، لأنها تتحمل على عاتقها أعباء خدمة جزء من أبناء المجتمع وجزء من أرض الوطن، وكما يعلم الجميع إن غالب هذه المؤسسات الاجتماعية التطوعية، ما زالت تشكو من النقص في الكادر التطوعي، وأملنا جميعا وفي المستقبل القريب، أن نجد هذا النقص قد أصبح فائضا من الكوادر المتطوعة ومن العطاء الاجتماعي الزاهر، وتحقيق هدف الخمسين ساعة تطوع والمليون متطوع وفق رؤية 2030.

إن ثقافة التطوع مبنية على عدة عوامل، دينية واجتماعية وثقافية، وبما أن مفهوم ثقافة التطوع قد تطور من مسمى أعمال خيرية أو تعاونية كان يقتصر على أفراد معينة من أبناء المجتمع، إلى أن تحول إلى عمل مؤسسي مجتمعي، وهذا التغير هو عملية تطويرية توسعية في العمل التطوعي، حيث تنوع أنواع العطاء وأنواع العمل، ولم يقتصر فقط على المال، بل أصبح العمل التطوعي في عامل الوقت وتقديم الخبرات الحياتية والعلمية والعملية والجسدية إضافة إلى عنصر المال.

وهنا أقدم شخصية اجتماعية قل من عرفها في حياتها، إنها أيقونة نشاط اجتماعي وديني متنوع في أعمالها الخيرية، حيث اتخذ لنفسة جانبا من السرية وعدم الكشف عن نفسه، حتى يضمن أن يكون عمله خالصا إلى وجه الله سبحانه وتعالى، ألا وهو المرحوم الحاج الوجيه جعفر الأحسائي رحمه الله، صاحب محل مجوهرات السلام، وهو أشهر محل مجوهرات بتاروت، حيث اختار لنفسه وعمله الخيري منهج الكتمان، بل كان يشترط بعدم كشف هويته لأي شخصية مهما كانت، خوفا من التفاخر وضياع العمل الخيري في الهواء الطلق، حتى أقرب أصدقائه وجلسائه كان يخفي عنهم دوره الاجتماعي في أعمال الخير، حيث لم يتكشف لهم عن دوره التطوعي الاجتماعي إلا بعد رحيله إلى الرفيق الأعلى.

ولم يعلم أحدا عن بعض أعماله الطيبة والمباركة والخيرية، والذي كانت على كل صعيد اجتماعي وإنساني وديني، حيث كانت له مشاركات اجتماعية تبهر وتغبض كل إنسان سوي، حيث كان عطاؤه مستمرا حتى آخر لحظة من حياته المباركة، ولم يتكشف هذا العطاء ويتفجر اجتماعيا، إلا لحظة إعلان وفاته وانتقال روحة المطمئنة إلى بارئها، وهذه إرادة وسنة الله ومكافاته لعباده المحسنين في الدنيا قبل الأخرى.

يذكر لي بعض أصدقاء المرحوم الحميمين، برغم قربنا منه، ما كان يطلع أحدا منا على أي عمل خيري يقوم به، بل هم أول من تفاجؤوا مع من تفاجأ من بحر وفيض عطاه المبارك، حين تكشف هذا العطاء من أبواق عدة من المجتمع مع صراخ البعض أثناء تشييعه المهيب جدا، منها مؤسسات اجتماعية ودينية واجتماعية، حيث كان يرعى أسرا محتاجة منذ سنين، وكان ناشطا اجتماعيا في كل المجالات الخيرية، بل كان يسارع في فعل الخيرات، ولم يترك جانبا خيريا إلا ووضع له بصمة لامعة فيه.

المرحوم الحاج جعفر الأحسائي رحمه الله، كان يتمتع بمزايا إنسانية كثيرة، مما أهلته أن يصبح شخصية مقدامة وبارزة على العمل التطوعي، وجعلته شخصية نموذجية في العمل الإنساني، حيث كان يتمتع بسمات ومزايا أخلاقية كثيرة، أولها وأبرزها أخلاقه، حيث عرف المرحوم واشتهر بسمو تعامله مع الناس، ولم يشهد أنه فرق في تعامله مع أحد من أبناء المجتمع بمختلف طبقاتهم ومستوياتهم، ولعلها واحدة من سر نجاحه في التجارة.

وبحكم شهادة الجميع لم يشاهده أحد، إلا وكان وجهه دائما مبتسما ومشرقا أمام الجميع، حتى وهو في أصعب حالاته النفسية والجسدية، كانت روحه الطيبة تختزل الآلام، ولكن يظهر للآخرين النفس المرحة والطيبة والابتسامة الناعمة والجميلة، الدالة على شكره وحمده لربه وبما ابتلاه به، وكذلك تدل على سمو أخلاقه العالية، كما عرف عن حبه للناس جميعا، حيث كان واحدا من الذين يسعون للإصلاح وتقريب النفوس بين الخصوم، وكان يتفقد أحوال الجميع، وبمجرد أن يعلم حاجة أي أفرد من المجتمع للمساعدة وبأي شكل منها، كان يتسابق للفعل الخير وقضاء حوائج إخوانه وأبناء مجتمعه، وكعادته الطيبة كان يمنع البوح عن أعماله المباركة، لأي جهة كانت، كان ينتهج عمل الخير بالكتمان الشديد، حفاظا على ماء وجه الآخر، ولضمان قبول عمله عند ربه الكريم.

ومن مميزات شخصية المرحوم، في البيع والشراء بحكم أنه يعمل في التجارة، وبالتحديد في بيع وشراء المجوهرات، ومنذ أعوام عديدة، حيث كسب شهرة محلية ومناطقية، بسبب انتهاج المعادلة المنفعية والعادلة بينه وبين زبائنه، حيث كان نصوحا لأبعد حد، أي ينظر ويحسب لمصلحة الزبون كما أنها مصلحته هو تماما، بحيث لو كان وقت البيع أو الشراء مناسبا أو غيره مناسبا، كان يقدم النصح بما يناسب مصلحة الزبون بحيث يكون شفافا معه، وبعد ذلك يترك له حرية الخيار، وهذا عكس ما عرفناه عن التجار، حيث يقدمون مصالحهم ومكاسبهم المادية على مصلحة زبائنهم، بحجة فرصة المرابحة والكسب.

ولو تعمقنا أكثر بالبحث عن مناقب هذا الرجل العظيم، وخاصة الذي تكشفت بعد رحيله إلى الرفيق الأعلى، فهي عديدة جدا، ولو أجرينا بحثا عن أعماله الزكية، لاحتجنا إلى الكثير من الوقت ومن الحبر والأوراق، وهي ليست مبالغة في حقه، ومن أراد التحقق من ذلك فليذهب إلى المؤسسات الاجتماعية ويرى لمساته البيضاء، وليذهب إلى المؤسسات التطوعية الاجتماعية الدينية وبكل أنواعها ليرى مدى عطاه السخي وبدون حدود، وليبحث عن تلك الأسر المحتاجة الذي كان يرعاها بنفسه، والكثير والكثير من أعماله الطيبة والرائعة.

لذا أتقدم باقتراح على هذه المؤسسات الاجتماعية التطوعية بشقيها الديني والاجتماعي، أن تطلق على أحد أركانها اسم المرحوم الحاج جعفر الأحسائي، وتخصص له يوما باسمه، وذلك تكريما وتخليدا له وإلى أعماله التطوعية الرائعة، وكنموذج اجتماعي يقتدى به في العطاء والعمل التطوعي الاجتماعي والديني والثقافي.. رحمه الله برحمته الواسعة.