آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 12:10 م

وداعا أسطورة كرة القدم «5»

عبد العظيم شلي

أيها الفتى الذهبي ودعت مونديال 82 بكبرياء مجروحة، ومشاعر مكبوتة، وأحاسيس مختلطة، حينما أخرجوك بالكرة الأحمر في مباراة ضيع فيها منتخب بلادك كل البوصلة، غادرت بصمت لا تلوي على شيء، حينها أفاض عشاق فنك في طرح الأسئلة.

ما الذي دهاك يا فتي في مونديال أسبانيا؟ هل كنت شارد الذهن أم رجلك ظلت طريق المرمى إلا من هدفين وحيدين، هل كبلتك خطط المدربين، أم حسدتك العيون لأنك الأغلى ثمنا، كم طالتك الألسن ورمتك السهام بنقدها القاسي، وأي ضر صادفك وأنت المتوثب عدوا وقفزا، فكلما أمسكت بالكرة انهالوا عليك ركلا ورفسا، بالأيدي تارة وبالأرجل مرات، مراوغاتك تحيرهم، ترعبهم، يأخذهم طيش يفوق الوصف، انقضوا عليك كأنهم وحوش ضارية، راقبوا تحركاتك كظلك، كبحوا جموحك بكمية أذى لم يتعرض لها لاعب غيرك، استفزوك بتوتر لامتناهي واستنزفوا كل طاقتك، نصبوا لك فخاخ الغش والخداع، ونجحوا بإخراجك من المونديال ربما خال الوفاض كما بدت الصورة للشامتين بك.

خصومك والمنصفون يدركون من تكون، والمتعاطفون معك أحسوا بوجعك، فأنت القائل: ”مونديال 82 صفحة طويتها من حياتي“ لكننا لن نطويها، فالنبش في ما رأيته من معاناة عبر مرآتك نبض صدق بصور ليست مرئية للعيون المجحفة.

أيها الفتى الذهبي حديثك مؤجل لما بعد الخوض في سرد بعض من حكاية مونديال 82 المثير للجدل، إن كان رفع في وجهك كرت أصفر وأحمر، فهناك كروت ملونة رفعت، سوداء وخضراء وبيضاء في وجوه لاعبين ومسؤولين كانوا في قلب الحدث المونديالي.

استعراضها توقا لحنين الصبا، وأيضا سردا للأصحاب، وللمغرمين بالذكريات الكروية، وبحثا لما جرى وصار من وقائع وأحداث، هي زفرة عشق من هوى متقاطعة مع إطلالتك الباهرة أيها الفتى الذهبي وبحضورك الرائع الأول في العرس المونديالي، فأنت المتأمل والمتألم والعابر زمنه، كان ذلك قبل اربعة عقود خلت.

انفض السامر عن بطولة كأس العالم في نسختها 12 والتي جرت مبارياتها في المدن الأسبانية عام 1982، ولم ينفض عنها فيض الكلام، ذكريات تتداعى كباقة ورد فواحة كلما تقادمت الأيام.

قيل عن بطولة 82 بأنها من أقوى البطولات المونديالية وأمتعها، وقد شهدت التواجد الأول للفتى مارادونا، وامتلأت إثارة وحماس وندية، وغضب وعنف، وحسرة ومسرة، بالإضافة لتواجد كوكبة من مشاهير اللعبة أوروبيا ولاتينيا، وثمة مباريات ملتبسة تمزقت خلالها قمصان وأحرقت فيها أعلام اهتزت شباك بين غصة وفرح.

صراخ مدوي تصاعد من قلاع الأندلس وصولا إلى حصون روما، بروعة أهداف إيطالية، بإمضاء اللاعب الفنان ”باولو روسي“، الذي أخرجوه من السجن عنوة قبل انقضاء محكوميته، عانق فضاء الحرية وصال وجال على أرضية الملاعب بلعب ماكر، كلما سجل هدفا تجاوب معه الرئيس الإيطالي العجوز ”ساندرو بيرتيني“ بتصفيق يكاد يسمعه ضيوف المنصة، يقف متهلهلا يحي أبناؤه البررة على صنيع فعلهم، لازمهم تشجيعا بدءا من دور الثمانية وصولا لمباراة التتويج، حضوره الشخصي ساهم في جلب الكأس الذهبية ”للاتوري“، والتسمية بلغتهم، ”السماوي“، وهو لون قميص المنتخب الإيطالي.

فوز الاتزوري أحدث تشفيا عربيا حينئذ، نكاية ضد المنتخب المهزوم ألمانيا الغربية في المباراة الختامية، بسبب المؤامرة الذي حاكها ضد المنتخب الجزائري لإبعاده من فرصة الصعود للدور الثاني.

فقد حدث تواطؤ بين منتخبي النمسا وألمانيا، بعد أن اكتفى الأخير بتسجيل هدفا واحدا فقط وهو القادر على التسجيل أكثر، سيناريو مدبر حيث انكفأ الفريقان كل وسط ملعبه، يداعبون الكرة بتمريرات عقيمة، دون هجمات تذكر لحين انقضاء الوقت، نتيجة أهلتهما لبلوغ الدور الثاني وأقصت الجزائر من السير في البطولة، وعرفت هذه المباراة ب ”فضيحة خيخون“ نسبة للمدينة التي أقيمت فيها المباراة سيئة الذكر.

كان منظرا مزريا بلعب مفضوح مثير للاشمئزاز، قوبل باستهجان عاصف من قبل جماهير الفريقين وصل ذروته خارج الملعب بحرق أعلام بلديهما، وحتى صحافة الفريقين صبت جام غضبها على الاثنين.

بعدهذه المباراة الفضيحة قرر الاتحاد الدولي ”FIFA“ أن تقام نهاية مباريات المجموعات في وقت واحد خشية تكرار التلاعب.

وبالمقابل صبت الصحافة الأرجنتينية جام غضبها على حكام المباريات الذين غضوا أعينهم عن السلوك العدواني المتكرر تجاه مارادونا.

هل بدأ الأمر قصدا ضد المتألق لعبا؟ يوجد حكام وكأن على عيونهم غشاوة. بعضهم ساهم في قلب مباريات من هزيمة إلى نصر. والعكس.

لكن أن يرفع الكرة الأحمر في وجه حكم من حكام البطولة ذلك لم يحدث إلا في مونديال 82، وتلك حكاية أخرى.

وبينما كنت أضع النقطة الأخيرة في هذه الحلقة ظهرا، الا بورود نبأ تناقلته الصحافة العالمية مفاده، وفاة باولو روسي، ”قاهر الكبار“ وهداف كأس العالم 82، حسب ما ورد في كبريات الصحف الإيطالية صباح هذا اليوم، واقتبس الآتي، ”قال: إنريكو فاريلي المذيع بمحطة رأي سبورت الإيطالية“ إنه نبأ محزن، باولو روسي رحل عن عالمنا ”وأضاف بابيتو، الذي لاينسى والذي جعلنا نقع في حب صيف 1982، كان زميلا ذا قيمة كبيرة ومتخصصا في“ راي ”على مدار الأعوام الأخيرة، وقاد روسي الفريق الرائع الذي هزم في 1982 العالم، منتخبات البرازيلي زيكو والأرجنتيني الشاب دييغو مارادونا والألماني كارل هاينز رومينيجه في طريقه لرفع كأس العالم في أسبانيا، بأهدافه الستة في آخر ثلاث مباريات وأصبح هداف البطولة، وارتقى إلى مرتبة أسطورة كرة القدم الإيطالية“. ونشرت زوجته ”فيديريكا كابيليني صورة لهما معا وكتبت:“ إلى الأبد ”. انتهى الاقتباس المتشابه في كل الصحف الإيطالية والعالمية. وداعا يا من رسمت الفرح في نفوس كل الإيطاليين بعد صيام دام 44 عاما بعيدا عن منصات التتويج، أنت أعدت الوهج، وداعا أيها القناص، والهداف الماهر، يا من رفعت الكأس الثالثة لمنتخب الاتزوري، حيث كانت الأولى والثانية سنتي 1934 و1938 زمن الجنرال الفاشي موسوليني، رفعت الكأس عاليا وكأنك تعيد احتفالات النصر قبل الميلاد، وسط ساحة المدرج الروماني“ الكلسيوم ”، وعلي أنغام“ بيلا تشاو رقص وتغنى بك كل الايطالين، أنت أيقونة من أيقونات الكرة الإيطالية الحافلة برفع أربعة كؤوس عالمية.

اللافت في كل الصحف التي أوردت نبأ الرحيل صورة تحمل معنى ومعنى، تجمع باولو روسي مع مارادونا!.

الآن تتقاطع الذكريات الجميلة بمرارات فقد الرحيل.