آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 8:51 ص

لا تكثر الدوس يا خِلِّي يملونك!

المهندس هلال حسن الوحيد *

كم تدوم الصداقة والمحبة بين الناس؟ ربما أكثرها ليس طويلاً إلاّ ما رحمَ ربي، فكل وافرٍ عندَ غير أهله، وفي غيرِ محله رخيص. ولهذا من أجمل نصائح الأجيال والمجتمعات أن يوفر الناسُ من قيمتهم عند بعضهم، ومن نصائحِ أهل منطقتنا على سواحلِ الخليج، نصيحةٌ تقول: ”لا تكثر الدوس يا خلي يملونك، لا أنتَ ولدهم ولا طفلٍ يربونك“.

وهي على بساطتها، إلا أنها فلسفةٌ وتجربةٌ إنسانية، فلا تستهلك كل رصيد محبتك وعزتك عند من لا يعرفك ولا يقدرك. لها ما يوازيها في النصائح العربية المأثورة، فمثلاً: زر غبًا تزدد حبًا، فإذا كان البشر لا يخضعونَ للبيعِ والشراء أنفسهم، إلا أن العلاقات البشرية يغلب عليها العرضُ والطلب، والرخصُ والغلاء. إذ تذكر الدراسات الاجتماعية أنّ معظم الصداقات الإنسانية تنتهي في سبعِ سنوات، ولكي تدوم مدى الحياة لابد لها من الصراحة والتسامح والاستماع وقلة تقلب المزاج والتواصل المستمر.

عندما قال أهل السواحل نصيحتهم، كانوا يزورون بعضهم حضوريا، ولو عاشوا اليومَ لنصحونا أن لا نرخص من طلتنا بالإكثار منها في أي مجال - وما أكثرها اليوم - حتى تبقى معتقةً شهية. فمن المؤكد لو أنَّ مجنون ليلى الذي كتبَ أعذبَ أشعار العشقِ والغرام في ليلى، أنْ لو اقترن بها، وإن لم يفقد عذريةَ حبِّه لها لكانت الدنيا وفتورُ العواطف سوف يلهيانه عن أجودِ شعره، ولربما في أشدّ الحالات الإنسانية عجباً قد يفارق ليلى بعد أن يرى منها ما يُظهره تكرارُ القرب من عيب في حين أخفاه اشتياقُ البعد!

ومن الحياءِ بمكان أن يمر ذكر العلاقات والصداقات دون أن نتذكر أن هذا طبعُ الناس فقط، أما خالقهم فهو يحث الناسَ على زيارته في بيوته - المساجد -، ولا يمل من تواصلهم وكثرة زياراتهم والحديثَ معه في كلِّ همومهم. ومن الجفاء أن ننسى صداقات الذين عاشوا في الحياةِ على التعاون في البرّ والتقوى وتمتد بهم الصداقةُ إلى رضوانِ الله ونعيمه في الآخرة، لأن أساسها الذي ارتكزت عليه لم يكن علاقة منفعة جسد ومتعة لقاء، بل تجانس أرواحٍ جنَّدها اللهُ فتجَانست وأَلَّفَ بينها فتآلفت.

فَلَيتَكَ تَحلو وَالحَياةُ مَريرَةٌ
وَلَيتَكَ تَرضى وَالأَنامُ غِضابُ

وَلَيتَ الَّذي بَيني وَبَينَكَ عامِرٌ
وَبَيني وَبَينَ العالَمينَ خَرابُ

إِذا نِلتُ مِنكَ الوُدَّ فَالكُلُّ هَيِّنٌ
وَكُلُّ الَّذي فَوقَ التُرابِ تُرابُ

فَيا لَيتَ شُربي مِن وِدادِكَ صافِياً
وَشُربِيَ مِن ماءِ الفُراتِ سَرابُ

مستشار أعلى هندسة بترول