آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 11:39 م

كيف تزرع الشعير فوق ظهر البعير!

المهندس هلال حسن الوحيد *

دخل صديقٌ لي بيت صديقٍ له دعاه لم يذكر اسمه إكرامًا له، ورأى من أهله مشهدًا أنا لن أرويه لبشاعته. ارتبك صديقي فقال له الرجل: لم ارتبكت؟ هذا أمرٌ عادي عندنا! وعندما قصَّ عليَّ صاحبي القصة لم اتفاجأ بل قلت له: إننا كبشر ثم كمجتمع فقدنا الإحساسَ والعجب بغريب ما يجري من الاشياء لكثرتها، مثلنا مثل السيدة الثرية التي أرادت أن تتزوجَ خادمها فهابَ الخادمُ كلام الناس:

طلبت امرأةٌ غنية من خادمها أن يتزوجها فقال: يا سيدتي وماذا يقول الناسُ عنا؟ فقالت له: سوف يستغربون يومًا أو يومين ثم يصمتون فلا يَعُدْ أمرُ زواجنا يعنيهم بشيء، وأرادت أن تعطيه مثلًا من الحياة على صحةِ دعواها، فأمرته أن يشتري بعيرًا كثّ الوبر ورطلًا من الشعير، ويرش الماءَ فوق ظهرِ البعير ثم ينثر الشعير وينتظر.

بعد عدة أيام بدأ الشعير بالظهور من فوق ظهر البعير في منظرٍ لم يحدث من قبل، فطلبت من الخادم أن يمشي بالبعير في السوق حيث يجتمع الناس. وفعلًا أغلق الباعةُ محلاتهم، واجتمع الرجالُ والنساء والصغار والكبار، ولا شيء سوى خبر البعير الذي نبتَ فوق ظهره الشعير في البلدة. ثم أمرته أن يفعلَ الشيءَ ذاته في اليومِ التالي، فخرج الناس ولكن أقل من يوم أمس.

خرج الخادم بالبعير عدة أيام، ثم سألته سيدته: كيف ترى الأمر؟ فقال لها: لا أحد يأتي الآن ليرى البعير، وأنا أسير في الطرقاتِ وحيدًا ولا من أحدٍ ينظر. فقالت له: هكذا هم الناس، يومًا أو أكثر أو أقل، ثم يعتادون على كلِّ جديد.

ما عشتَ يريك الدهر عجبا! فالتغيير في المجتمعات لا يكون بين عشيةٍ وضحاها، بل يحصل في خطٍّ طويل، في كلِّ محطة من الطريق يعتاد الناس على ما فيها من مناظر ويكون ما في المحطة هو المنظر الطبيعي ونقطة الارتكاز، وهكذا حتى يصلوا للمحطة التي بعدها. ثم تصبح كلُّ مناظر الحياة طبيعية وعادية؛ وليس من غريب إلا الإنسان المتخلف الذي يستنكرها ولا يعتادها.

مستشار أعلى هندسة بترول