آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:36 م

المتشددون الإسلاميون والعلمانيون هم مزرعة إنتاج الكراهية ضد الإسلام والمسيح.

زكريا أبو سرير

قد مرت علينا قبل فترة الحادثة الفرنسية البشعة، الذي قتل فيها المدرس صامويل باتي، بسبب عرضه رسوم كاريكاتورية مسيئة للنبي الأكرم محمد ﷺ في 16/10/2020، الذي رسمت في مخيلة البعض أنها قضية إسلامية فرنسية، حين تجرأ هذا المدرس الفرنسي بالقيام بهذه الرسومات الكاريكاتورية الغير أخلاقية والغير انسانية، وقد تكون من واقع ثقافته عن الإسلام وعن سلوك بعض المسلمين المتشددين.

وهذه الحادثة تذكرنا بحادثة مجلة شارلي أبدو التي كانت نشرت كذلك رسوماً مثيلة لهذه الرسوم في عام 2015م، وقد أحدثت وقتها عنفاً وفوضى راح ضحيتها الكثير من الناس وتلف الكثير من الممتلكات الخاصة والعامة، دون الوصول لنتيجة إيجابية يستفيد منها كل الأطراف، لأنها لم تعالج بالحكمة والموعظة الحسنة الذي يقرها إسلامنا الحنيف ونبينا العظيم ﷺ ولا سيدنا المسيح عليهما السلام، وكذلك ليست وفق ما يراه العقلاء ولا الأنظمة الدولية.

التاريخ يشهد لرسولنا الأكرم محمد ﷺ قبل البعثة وبعد البعثة أنه لعلى خلق عظيم، حيث كان جمهور ذلك الوقت يعتبرون رسول الله محمد ﷺ قبل أن يبعث هو الصادق الأمين، فما كان أحدا من ذلك المجتمع يختلف على أخلاق ونزاهة وصدق وأمانة رسول الله محمد ﷺ على كل صعيد، لهذا كانوا يحافظون ويودعون أماناتهم وعهدهم وكل ما كانوا يملكون ويعز عليهم عند حالة سفرهم خارج ديارهم أو لأي غرض ما عند نبي الله محمد ﷺ، وبعد عودتهم إلى ديارهم يأتون إليه ويستلمون كل أماناتهم كما هي تماما دون أي زيادة أو نقيصة وبدون أي مقابل مادي.

كذلك يشهد التاريخ لرسول الله المصطفى محمد ﷺ قبل بعثته الشريفة، أنه لم يسئ لأحد قط، ولو بكلمة واحدة بل كان بالعكس تماما، قد رأوا في نبي الله محمد ﷺ المثل الأعلى لهم في كل الجوانب الإنسانية والحياتية بل كان هو الكمال، كانوا يروا إنسانا وجه الشريف دائم الابتسامة والإشراقة، كجمال خلقته وخلقه، كثير التواضع مع الصغير والكبير مع العبد والحر، إلى درجة لا يتصورها أحد، وإذا تحدث صدق وإذا وعد وفا وإذا اؤتمن حفظ وستر، فكان رحيما عطوفا ومتسامحا لأبعد حد، فكان الجميع معجبا به وبأخلاقه الرفيعة التي لم يروا مثيلا لها لا من قبل ولا من بعد.

وكذلك التاريخ يشهد لرسول الله الأكرم محمد ﷺ، حين بعث لتبليغ رسالة ربه الكريم خاتمة الأنبياء والمرسلين، كانت هي صفاته وأخلاقه الذي عرفها هولائك القوم من الصفات الحسنة والجميلة والأخلاق العالية، التي تعبر عن روح الإنسانية، قبل البعثة وبعد البعثة هي نفسها أخلاقه وصفاته الرسولية المحمدية.

والتاريخ يشهد أن رسول الله محمد ﷺ عندما بدأ بانطلاق بعثته الجهرية الشريفة لعامة الناس، وكانت دعوة هداية من الضلال والتحرر من عبودية الإنسان إلى عبودية الخالق، وإخراجهم من حالة الكفر إلى حالة الإيمان ومن الشرك إلى الوحدانية، ومن الظلمات إلى النور حتى العروج بهم إلى الصراط المستقيم، وعند تبليغ رسالته الالهية، قد واجه أعنف تيار ظلامي استعبادي بقيادة أبي جهل وأعوانه من الجهلاء والضالين، فما كان منه صلوات الله عليه وعلى أهل بيته الأطهار إلا دفع السيئة بالحسنة ومقابلة الشر بالخير، ومقابلة العنف بالسلام، وهكذا ربى أهل بيته وأصحابه الكرام، فأصبحوا رسل القوم، فنصره الله ونصرهم نصرا مبينا.

والتاريخ يشهد بعد رحيل نبي الإسلام الأكرم محمد ﷺ إلى جوار ربه الكريم، انقلب الكثير على أعقابهم، وأخذوا يتكلمون باسم الإسلام والإسلام بريء منهم كبراءة الذئب من دم يوسف ، حيث قال عز من قائل في كتابه الحكيم في سورة آل عمران آية 144 ”وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن ماتَ أو قتل انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين“، وقد أوضح المفسرون لهذه الآية الكريمة، إن مات نبيكم أو قُتل، ارتددتم كفارًا ومنافقين بعدما كنتم مسلمين ومؤمنين.

ومن هنا ظهرت البدع والخرافات والتحريفات والانزلاقات عن توجيه الرسالة المحمدية الأصيلة، مما خلفت هذه التوجهات تيارات عنيفة باسم الاسلام، وأخذت تقرأ الإسلام حسب توجهاتها وتصوراتها هي، لا توجهات وتصورات من روح الإسلام الحنيف الأصيل، بل نشأت وترعرعت هذه التيارات الدينية شكلا ومضمونا على الثقافة الهوائية الذي نتج عنه التشدد والعنف إلى درجة القتل بالهوية دون أي جرم ارتكبه غير أنه لا يتوافق مع منهجه الفكري أو مذهبه أو دينه، وأحجبوا عن ثقافة رسول الإسلام الداعية للسلام والرحمة وللعيش تحت ظل التعايش مع المختلف وقبول الآخر واحترام جميع المعتقدات والأديان والإقرار بالأخوة الإنسانية، حيث قال الله تعالى في كتابه الكريم على لسان نبيه الأكرم محمد ﷺ في سورة الكافرون آية 6 «لكم دينكم ولي دين»، وهذا أعلى درجة في روح التسامح والمساوى وقبول حرية واحترام الأخرى، وأفضل مبدأ قدموا الإسلام لمفهوم السلام بين الشعوب حيث ساوى دينه الحق مع معتقداتهم حتى يسود السلام والحرية بين الشعوب.

فالمتشددون الإسلاميون وأعداء الإسلام من المستشرقين وغيرهم ومن من تلك العهود السالفة قد لعبوا دورا كبيرا في تشويه مبادئ الشريعة الإسلامية حتى وقتنا الحالي، مما أنتج عنه ثقافة مؤطرة بإيطار إسلامي مشوه، حيث استفادوا منه ووظفوا هذه الثقافة على أنها هذه تجارة رسول الإسلام والمسلمين التي كونوا منها دينهم الإسلامي.

وبعد التبشير بهذه الثقافة الفاسدة باسم الاسلام من هؤلاء الجهلة والمتشددين وبتخطيط من أعداء الإسلام، في بقاع الأرض بمختلف أشكالهم وأنواعهم، تبلورت مجموعات من أديان مختلفة قد اقتنعت بهذه الثقافة ونشأت مراكز أبحاث في مختلف المواقع المختلفة في العالم مضادة للإسلام، وعلى ضوء هذه الثقافة العفنة وجدت فيما بعد جماعة متشددة من أدمغة غربية وشرقية معادية للإسلام وإلى رسول الإسلام محمد ﷺ تدعو للكراهية ومعادية للإسلام والمسلمين وحتى المسيحية.

وهنا ينبغي للرجوع لروح الإسلام المحمدي الأصيل، ومواجهة أعداء الإسلام ومشوية ثقافته من مختلف الجبهات، من خلال ما بدا ودعا له رسول الله محمد ﷺ قبل البعثة وبعد البعثة، وبما أشار له ربه وربنا الغفور الرحيم حيث وصفه بعظيم الخلق والأخلاق والتعامل الحسن والصدق والتسامح والعفو والصبر ورد السيئة بالحسنة وقبول الآخر واحترام حرياتهم وأديانهم والتبشير بالسلم والسلام سلوكا وإيمانا بتلك المبادئ الإسلامية العظيمة لا قولا وتزينا وريا وبهتانا، وبهذه المبادئ ومثلها ينصرنا الله على أعداء الإسلام ونرد كيدهم وبضاعتهم اليهم، بل نقنعهم عقلا وقلبا بأن دين الإسلام حق وكتابه هدى وصدق لا ريب فيه، وأنه لعلى خلق عظيم.

ولا يفوتنا أن نذكر من العقول الغربية النيرة الذين قرؤوا شخصية رسول الإسلام محمد ﷺ قراءة واقعية وموضوعية، مثل الكاتب والمفكر مايكل هارت، مؤلف كتاب الخالدون المئة، حيث تصدر في قائمة المئة شخص على رأسهم هو نبينا الاكرم محمد ﷺ أنه أحد المؤثرين على مرور التاريخ وفق أعلى معايير إنسانية وأخلاقية، وهذا ما نحتاج أن نقدمه للآخر من قراءات تقرأ عن رسول الإسلام من خلال معايير ومبادئ سماوية ورسولية وإنسانية، كما كان وفعل رسولنا الأكرم وخاتم الأنبياء والمرسلين محمد ﷺ من خلال دعوته الشريفة وبما جاء وأوصى به في معجزته الخالدة القرآن الكريم.

وخلاصة قولنا نحن نرفض أي نوع من الإساءة لرسول الإسلام محمد ﷺ من أي طرفا كان، كما إننا نرفض أي نوع من أنواع الحلول العنيفة لمواجهة المتشددين والمتطرفين والمسيئين لرسول الإسلام أو المسلمين، لأننا أصحاب رسالة سلام ورحمة ونور وحياة، لا عنف وظلام وموت، وكذلك نبعث برسالة تهنئة بيوم ميلاد سيدنا المسيح وإلى نظرائنا في الخلق من اتباع نبي السلام عيسى ، باعتبار شرائع الله منها السلام وإليها السلام، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته...