آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:00 م

ابن الدَفّاف يصبح رقَّاصا!

المهندس هلال حسن الوحيد *

عندي ابن في الرابعة من عمره، يسقط كلَّ حين، يبكي وبعض الندبات تبقى شاهدة على أفعاله، وأنا كلما سقط قلت له: لن تضرك هذه السقطة - تكبر وتأخذ غيرها - لكن ما يضرك فعلًا هو سقوطك الأخلاقي العميق. لا أعرف كيف أفهم ابني الصغير معنى السقوط الأخلاقي، فهو لم يقع بعد، وأدعو اللهَ ألاَّ يقع، لكنني أجزم أنها سوف تكون عنده من الظاهراتِ الواضحات ولن يخفى عليه المعنى.

سوف يكتشف سريعًا الخصائصَ التي نسميها ”الأخلاق“ والتي يستطيع من خلالها اكتساب ما يميزه عن الحيوان، وتضيف إلى عقله عقلًا جديدًا، وإلى علمهِ علمًا نافعًا، وإلى حركتهِ في الواقع الحياتي انضباطًا ورشدًا وسموا ورفعة، وإذا كان من سلبيات لا تخرجه عن آدميته وإنسانيته.

حفرة السقوط وجاذبيته يسقط فيها الإنسانُ الأبيض والأسود، الشرقي والغربي والصغير والكبير، لا فارق. وأنا لن ألومنَّ إلا نفسي عند سقوطه وعثرته الأخلاقية، فهاهو في الرابعة من عمره يقلد صوتي وحركاتي وأفعالي وأكلي وشربي. والمثل الغَربي يقول: التفاحة لا تسقط بعيدًا عن ساقِ الشجرة، أذناه الصغيرتَان  تسمع وعيناهُ الصغيرتان ترى، وكما يقول الشاعر العربي:

إذا كان ربُ البيتِ بالدَّفِ مولعٌ

فشيمةٌ أهلِ البيتِ كلهم الرقصُ

ابني يحوز على شمائلي وكرائم صفاتي ومَعايبي، هي أول قاعدة في إنتاج وصناعة سلوك البشر، إذ الكثير من الظواهر الإيجابية أو السلبية التي توجد في أبنائي وأبناء جاري هي في المقامِ الأول لأنهم نسخة مني ومنه، فإذا ما اخترنا الجادةَ السليمة مشت الأبناءُ خلفنا، وإذا ما اخترنا الجادةَ المتعرجة مشوا خلفنا أيضا.

فلا عجب إذًا إن ذكرت الدراساتُ الاجتماعية أن أبناء وبنات من يشربون الخمور، هم أكثر عرضة من غيرهم لأن يشربون الخمر أو يتناولون عقارًا ضارًّا من نوعٍ ما، وأن الأبناء الذين يعيشون في بيتٍ يسيء أحدُ الوالدين للآخر هم في خطر أعظم من غيرهم بأن يفعلوا ذات الشيء في المستقبل.

حقًّا إن الكثير منا يجني على أولاده وبناته ويرتكب الفظائع في حقهم، ثم إذا استيقظ من سباته سأل: كيف؟ ولماذا أصبحوا هكذا؟ وكأن الشاعر المعري على حق حين كَتَبَ على شاهدةِ قبره:

هذا جناه أبي عليَّ وما جنيتُ على أحد

طوبى لمن أتقن هذه الصناعة - البشرية - حتى إذا ما ماتَ كان ابنه الصالح واحدًا من الأعمالِ الباقيات بعد موته!

مستشار أعلى هندسة بترول