آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:36 م

حكايات قصاصة الورق والشاهد!

المهندس هلال حسن الوحيد *

أنا وأخي وأختي من أبٍ واحد وأمٍّ واحدة، وكلما احتاجَ أحدنا أن يأخذَ مالًا - قرضًا - كتبَ على نفسهِ ورقةً صغيرة، وأشهدَ فيها شاهدين عدلين. كلنا أمناء، لكن هذه الورقة تثبت الحقوق، فمن يدري كيف تتحول الأحوال في حالِ غبنا نحنُ الثلاثة وجاءَ جيلٌ آخر بعدنا! ونصرّ أن نَفعل ذاتَ الشيء بين الأصدقاءِ أيضًا.

هذه القصاصة الورقية هي تخطيطنا لعلاقاتنا الماليَّة لكي لا ندخل في أوضاعٍ سلبيّة تهدم ما بنيناه من الثقةِ طيلةَ هذه السنوات. مع أنَّ بعضَ الأصدقاءِ يلوموننا ويظنون أنها تترك انطباعًا سلبيًا في علاقاتنا، فإذا كانت علاقاتنا المالية وبعض الريالات تحتاج إلى الإثبات والتوثيق، فأين تقف ثقتنا ببعضنا البعض؟ ويقولون أن قصاصةَ الورق والشهود هي فقط للغرباء الذين لا يثقون ولا يعرفون بعضهم!

لكننا نحن الثلاثة نقطع أن ثقتنا لا تعني عصمتنا من الانحرافاتِ السلبية، فأجمل المناظر منظر المال، وأجمل موسيقى في الحياةِ رنينُ الدراهم، أليس كذلك؟ إذًا لم لا تكن هناك ضوابط ماديّة تحمينا من أنفسنا ومن نقاطِ ضعفنا، ونعرف أن الخيانةَ في وجودِ الشاهد تعني الفضيحة، وأن الإنكار للحق من العملِ المستحيل؟!

ثم لماذا يأنف المَدين - أنا وغيري - من كتابةِ الدَّين والقرض الحسن، وهو يجد نفسه ملزمًا بكتابة وتوقيع عدة صفحات إذا اقترضَ من المصرف ريالات قلت أو كثرت، أو اشترى بضاعة من شركة. وإذا تأخر في السدادِ طالبه المصرف أو الدائن بمبالغ مضاعفة جزاءَ تأخره؟!

تعالَ معي لنرى إن كنا نحنُ الثلاثة على حق أم على باطل: كم من مدينٍ قريب أنكر حيث لم توجد هذه الورقة المكتوبة؟ وكم من وارثٍ جحدَ الدَّين، إما لجهلٍ به أو لضعفٍ في الدِّين والمروءة؟ بينما لو كان هناك إثباتٌ مادي واضحٌ ومثبت، لكان حمى الآكلَ من الإنكار وأكل المالِ ظلمًا، وحمى الدائنَ من خسارةِ حقه.

إنها حكايةُ الأجيال التي تتكرر في كلِّ زمان وفي كلِّ مجتمع؛ قضايا فيها دائنٌ ومدين، ورثةٌ وميراث، باقيةٌ وعالقةٌ في المحاكم، يموت وراثٌ واحد ويترك خلفه عشرةَ وُرَّاث وعشر عداوات! وهذه هي المحاكم الشخصية تنظر كلَّ سنة في الآلافِ من القضايا يحمل أصحابها، رجالًا ونساءً، معاناتهم ونزاعاتهم ومماطلتهم لسنوات في انتظارِ الحصولِ على نصيبهم من التركة والإرث، أو استيفاء دينٍ من غريم.

مستشار أعلى هندسة بترول