آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

ورقة العلم

محمد أحمد التاروتي *

استطاع العلم قول كلمته الفصل، والتوصل الى مصل قادر على مكافحة فيروس كورونا، وذلك بعد اشهر عديدة من البحث، والجهد الكبير الذي بذلته الشركات البحثية، والشركات الدوائية، وكذلك كبرى الجامعات، الامر الذي احدث ارتياحا كبيرا لدى العالم، نظرا للضغوط الكبيرة التي واجهتها البشرية منذ أواخر عام 2019، جراء التداعيات الخطيرة التي خلفها الفيروس القاتل في كافة مناحي الحياة.

التعويل على العلم يمثل الخيار الأول، في سبيل طرد الجهل والجدل، الذي حاول البعض ترويجه خلال الأشهر الماضية، من خلال الادعاءات الكاذبة باكتشاف ”وصفات دوائية“ قادرة على معالجة فيروس كورونا، الامر الذي ساهم في الاضرار بالكثير من الأرواح، التي انساقت وراء تلك الخزعبلات والأكاذيب، خصوصا وان أصحاب الدجل والنصب يحاولون استغلال الأوقات العصيبة والاستثنائية، لترويج الكثير من الأكاذيب، بهدف ملئ الجيوب من المال السحت والحرام.

الأمم التي تنساق وراء الدجل، والترويج للدجالين، ليست قادرة على النهوض، نظرا لافتقارها للاسس والعناصر الأساسية للنهوض، واللحاق بركب الأمم المتقدمة، حيث أعطت جائحة كورونا ماثلا عمليا، على أهمية الاهتمام بالمراكز البحثية، في سبيل مواجهة التحديات والأوبئة القاتلة، مما يستدعي إعادة ترتيب البيوت الداخلية للدول المتخلفة، بهدف إعادة رسم سياستها تجاه المنظومة العلمية، وزيادة التمويل على المراكز البحثية، باعتبارها الاوكسجين القادر على تزويد تلك الدول بالحياة، في الأوقات الصعبة، وبالتالي فان جائحة كورونا تشكل مدخلا، لمراجعة الكثير من السياسات في المرحلة القادمة.

السباق المحموم بين الشركات الدوائية، والمراكز البحثية، والجامعات العريقة، في لفك شفرة الفيروس القاتل، والعمل على وضع لقاحات قادرة على وقف انتشاره، والحد من خطورته، ساهم في اكتشاف العديد من اللقاحات في غضون اشهر قليلة، الامر الذي يعزز الاعتقاد ان المخاطر الكبرى تدفع العقول البشرية، لقبول التحدي بمزيد من الإرادة والعزم، على قهر تلك الامراض، خصوصا وان الاستسلام يضع مستقبل البشرية على المحك، نظرا لقدرة تلك الأوبئة على الفتك بالارواح، وبالتالي فان العلم يمثل المنقذ، لمواجهة الاخطار المحدقة، التي تهدد البشرية، ”قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون“.

العالم الثالث الذي يرزح تحت الجهل، والانسياق وراء الدجل، بقي متفرجا في ميدان العلم، نظرا لافتقاره للامكانيات العلمية والمادية، لايجاد اللقاحات اللازمة لمكافحة فيروس ”كوفيد 19“، فالمراكز البحثية التي يمتلكها ما زالت غير قادرة، على مقارعة مثيلاتها في العالم المتقدم، فضلا عن الافتقار للموارد المالية اللازمة لتمويل البحوث العلمية، في مجال مكافحة الامراض على اختلافها، ومنها فيروس كورونا، الامر الذي يفسر نجاح المراكز البحثية في الدول المتقدمة، في فك شفر الفيروس القاتل، مما يمهد الطريق لفتح افق جديد امام البشرية، لوقف سقوط المزيد من الضحايا، في المرحلة القادمة.

التجربة القاسية التي كابدتها البشرية منذ أواخر عام 2019، بعد اكتشاف فيروس كورونا، انقشعت بشكل تدريجي بعد دخول العلم في المعركة بشكل جاد، فالعقول البشرية المسلحة بالمعرفة اكثر قدرة على معالجة الأمور، واكتشاف غموض العديد من الامراض، من خلال دراسة وافية لحركة تلك الفيروس، والعمل على معرفة الاسرار الكامنة، وراء سرعة تغلغله في الجسم البشري، بهدف إيجاد الحلول المناسبة لايقاف تمدد في الخلايا البشرية، مما يسهم في اخراج تلك الأوبئة من دائرة الخطر الى الزوال، بعد إيجاد الامصال المناسبة، لاسيما وان البشرية تمتلك سجلا حافلا من النجاحات، في مقاومة العديد من الامراض الوبائية، التي عصفت بالشعوب خلال العقود الماضية ولعل ابرزها وباء الكوليرا والملاريا والطاعون والانفلونزا الإسبانية وغيرها من الامراض، التي ساهمت في ازهاق عشرات الالاف من البشر في السنوات المنصرمة.

تبقى ورقة العلم السلاح الفعال لحسم المعركة مهما طالت مدتها، فالعلم اكثر قدرة على وضع الحلول المناسبة، فيما الاعتماد على الدجل لا يولد سوى الخراب، والركض وراء السراب، الامر الذي يفرض التركيز على العقول العلمية، والاعتماد عليها في جميع الازمات، نظرا لقدرتها على اكتشاف الحلول المناسبة، للخروج من الازمات باقل الخسائر، وحماية البشرية على المدى البعيد.

كاتب صحفي