آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

ومن الحب ما هبل

جلال عبد الناصر *

نسمع دائما بالعبارة التاريخية ”ومن الحب ما قتل“، إشارة إلى أن الإنسان قد يعرض نفسه للموت من أجل حبيبه. والمتتبع للقصص الغرامية سوف يلاحظ حتما بأن بعض العاشقين يفقدون عقولهم في لحظات معينة. حيث يقوم العاشق بمغامرة لأجل إشباع رغباته العاطفية. وتنتهي تلك المغامرة وهو باق على قيد الحياة، ولكن في الوقت نفسه يدخل في دائرة الجنون. أي يكون الفعل ”هبل“ أكثر ما يليق بالوصف عوضا عن ”ومن الحب ما قتل“.

لقد أصبح ”البرتو“ العاشق المكسيكي الذي يسكن في مدينة ”تيجوانا“ خلال الاسبوع الماضي حديث الصحف حول العالم. فقد ذكرت صحيفة Times Now New بأن ”جورج“ عاد لشقته في المبنى السكني بصورة مفاجأة. وسمع صوت رجل في غرفة الجلوس، إلا أن زوجته ”باميلا“ أنكرت وجود أي شيء. مدعية أنه يتخيل تلك الاصوات وان غيرته المرضية، وتعاطيه للحشيش تسببت له في تلك الهلاوس السمعية. وجلس على الكنبة الكبيرة منكسا رأسه يحاول أن يقنع نفسه بأن الأمر لم يكن إلا نتيجة لتعاطيه للمخدرات كما ادعت زوجته. وما ان راحت تسأله عما إذا كان يرغب باحتساء كوب من الشاي معها. إلا وقد بدأ بالاعتذار لزوجته عن شكوكه. ثم هاج كالمجنون وراح يبكي ويحطم كل ما حوله. عله يخفف شعوره بالذنب. وحين رفع الكنبة الملاصقة للجدار ليرمي بها بعيدا تفاجأ بوجود حفرة بين الجدار والارض. وفجأة وقف يحملق بها إلا أنه سمع صوتا من جديد. ثم اندفعت زوجته تحاول أن توقفه وتخبره بأن الحفرة ليست إلا لكلب او ما شابه. إلا أنه راح يقرب رأسه منها اكثر. وحاول ادخال كامل جسده، ثم وجد نفسه داخل نفق لا يتجاوز خمسة أمتار تقريبا. وراح يمشي إلى أن وصل إلى طريق مغلق، وبمجرد أن رفع رأسه وجد فتحة اخرى. ورفع رأسه تجاها فوجد نفسه في شقة معروفة لديه، وبانتظاره رجل. ولم ذلك الرجل غير جاره ”البرتو“. وتعود بنا الذاكرة إلى مئات السنين عندما عجز وضاح اليمن عن لقاء معشوقته زوجة الوليد بن عبد الملك. فقرر الدخول لها مختبئا في صندوق على أنه ذلك الصندوق كان هدية من أحد التجار. وكلنا شاهدنا بالصور تلك الروسية ”الجميلة“ التي تم إخفاءها في طبلون السيارة، كمحاولة لتهريبها عبر الحدود إلا أن رجال الأمن قد كشفت الأمر.

أنفاق تحت الأرض وصناديق محمولة وأكياس مسحوبة. وجميعها تحتوي على بشر كانوا فقدوا عقولهم لأجل الحب الذي غير مسارهم وقادهم نحو السجن أو الموت. يقول جلال الدين الرومي ”من يسعى إلى الحب لا يهرب إلى ذاته“ والمقصود هنا بالهروب نحو الذات أي أن الإنسان يقوم بتسليم نفسه للقوة الشهوانية عوضا عن القوة العقلية أي الخروج عن دائرة التعقل حسب فلسفة أفلاطون. ويقول ابن سيناء في قصة حي بن يقظان اياك من النفس الشهوانية فإنها قذرة شره شبقة لا تملأ بطنها إلا التراب.

اختصاصي نفسي في مجمع إرادة للصحة النفسية بالدمام